أثينا تعتزم مطالبة القاهرة بضمانات واضحة حول وضع دير «سانت كاترين»

يبدأ وزير الخارجية اليوناني جورجيوس جيرابيتريتيس زيارةً إلى القاهرة، الأربعاء، حسب مصادر مصرية ويونانية، يعقد خلالها لقاءات مع عدد من المسؤولين المصريين، تتضمن مناقشة الوضع القانوني لدير «سانت كاترين» بجنوب سيناء، التابع إدارياً للكنيسة اليونانية، الذي تجدد الجدل حول ملكيته الأسبوع الماضي.
ووفق دبلوماسي يوناني تحدث لـ«الشرق الأوسط»، شرطَ عدم ذكر اسمه، فإن الوزير سيبحث مع المسؤولين المصريين مسألة «وجود ضمانات واضحة تضمن عدم حدوث نزاعات حول الملكية في المستقبل».
ويقع الدير على سفح جبل سيناء في جنوب شبه الجزيرة، وأقيم في المكان الذي يُعتقد أن النبي موسى عليه السلام تلقى الوصايا العشر فيه. وهو أقدم دير مأهول بشكل متواصل في العالم.
وتشهد منطقة سانت كاترين، التي تضم بلدة تحمل الاسم نفسه ومحمية طبيعية، مشروع تطوير ضخماً، في إطار سعي الحكومة المصرية لتعزيز السياحة فيها.
حكم قضائي
في الأسبوع الماضي، تجدد الجدل بشأن وضعية الدير بعد صدور حكم قضائي من «محكمة استئناف الإسماعيلية» يقضي بأحقية «تابعي دير سانت كاترين» في الانتفاع بالدير والمواقع الدينية الأثرية بالمنطقة، مع ملكية الدولة لهذه المواقع بوصفها من الأملاك العامة.
وتضمَّن حكم المحكمة «وجوب احترام العقود المحررة بين الوحدة المحلية لمدينة سانت كاترين والدير بشأن بعض قطع الأراضي المستغلة بمعرفة تابعي الدير». وأكدت المحكمة أن باقي قطع الأراضي المتنازع عليها محميات طبيعية، وجميعها من أملاك الدولة العامة، ولا يجوز التصرف فيها أو تملكها بالتقادم.
وأثار الحكم جدلاً على مواقع التواصل الاجتماعي وتفسيرات ذهب بعضها إلى أن السلطات المصرية تعتزم إخلاء الدير وانتزاع الأراضي التابعة له بدعوى «إقامة مشروعات تطوير أو بيعها لمستثمرين». وانتقد رئيس أساقفة أثينا واليونان للكنيسة الأرثوذكسية، إيرونيموس الثاني، الحكم.
وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية اليونانية، لانا زوهيو، إن حكومتي البلدين «عملتا بشكل متواصل خلال الفترة الماضية للتوصل إلى اتفاق يحافظ على الطابع الأرثوذكسي للمنطقة»، وإن الحكم القضائي المصري صدر قبل أن ينتهي الجانبان من دراسة جميع التفاصيل المتعلقة به.
وسعى الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، لطمأنه الجانب اليوناني، وأكد في اتصال هاتفي مع رئيس وزراء اليونان، كيرياكوس ميتسوتاكيس، يوم الجمعة الماضي، «التزام مصر الكامل بالحفاظ على المكانة الدينية الفريدة والمقدسة لدير سانت كاترين، وعدم المساس بهذه المكانة».
«مسودة اتفاق»
نشرت صحيفة «إثنوس» اليونانية، الأحد، تفاصيل «مسودة اتفاق» قالت إن الحكومة المصرية توصلت إليها في وقت سابق مع رهبان الدير. ويمنح الاتفاق المقترح السلطة الدينية في الدير ملكية 71 قطعة أرض محل نزاع قضائي.
وتضمنت المسودة، التي لم توقَّع بحسب تصريحات مسؤولي الدير، تعهداً من الطرفين باحترام إدراج الدير على قائمة التراث العالمي لليونيسكو، والتزام الدولة المصرية بتوفير الحماية والتأمين للدير، مع احترام استقلاله الديني والإداري، وعدم التدخل في شؤونه الداخلية، باعتباره تابعاً للطائفة اليونانية الأرثوذكسية ويخضع لرئاسة أسقف سيناء.
وحسب دبلوماسي يوناني تحدث لـ«الشرق الأوسط»، فإن وزير خارجية بلاده سيطلب من المسؤولين المصريين «تنفيذ الاتفاق الذي صيغ بين الدير ومحافظ جنوب سيناء، باعتبار أن هذا لا يتعارض مع الحكم القضائي الصادر ويمكن تنفيذه بقرار رسمي من الحكومة».
وتتضمن مسودة الاتفاق تفاصيل دقيقة حول ملكية الدير للأراضي والمباني والكنائس بالمنطقة، وتنص على أن أي تدخل بغرض الترميم أو الصيانة يكون بالتنسيق مع المجلس الأعلى للآثار، ومع مراعاة القوانين المصرية الخاصة بحماية الآثار والبيئة والتنسيق الحضاري، والحفاظ على الهوية التاريخية والمعمارية للمكان، وعلى الحياة الرهبانية بداخله.
أهمية الزيارة
ويؤكد الأستاذ المساعد بالجامعة اليونانية – الأميركية في أثينا، هشام حسن، أهمية زيارة وزير الخارجية اليوناني للقاهرة، حتى أن بعض الصحف المحلية تحدثت عن أن إتمامها دون التوصل لاتفاق مُرضٍ ربما يؤدي لتصدع داخل الحزب الحاكم.
وأضاف أن القضية «مثارة بقوة» على الساحة السياسية اليونانية رغم التطمينات التي تحدث بها الرئيس المصري لرئيس الوزراء اليوناني.
ومضى قائلاً لـ«الشرق الأوسط»: «الانزعاج اليوناني من إطلاق وصف (حق الانتفاع) على وجود الرهبان في الدير استدعى التحرك على مستوى أعلى سياسياً».
وفي رأي مستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، عماد جاد، فإن ما حدث «هو افتعال لمشكلة لم تكن موجودة، خصوصاً وأن الدير والرهبان موجودون منذ القرن السادس الميلادي، أي من قبل وجود الأوراق الخاصة بحيازات الملكية بالأساس، وهو وضع ترسخ على مدار قرون عدة».
وأضاف جاد، في حديثه لـ«الشرق الأوسط»: «امتلاك الرهبان للدير ينتقص من السيادة المصرية».
ويشتمل الدير الخاص بطائفة الروم الأرثوذكس على عدة كنائس، أهمها كنيسة تجلي السيد المسيح، والكنيسة التي تكلم عندها النبي موسى. ويضمّ أماكن إقامة الرهبان، وقاعة طعام، ومكبس زيتون، وصناديق عظام الموتى، ومسجداً فاطمياً من القرن الثاني عشر الميلادي، ومكتبة فيهل كتب نادرة و6000 مخطوطة.
أثينا تعتزم مطالبة القاهرة بضمانات واضحة حول وضع دير «سانت كاترين» المصدر: