اخر الاخبار

أمريكا واليونسكو.. الطلقة الثالثة ! – أخبار السعودية


5 محاذير عن استخدام العطور – أخبار السعودية

قبل عامين اثنين، كتبت في هذه الصحيفة مقالاً عنوانه: لماذا عادت الولايات المتحدة إلى اليونسكو؟ (https:/‏‏/‏‏www.okaz.com.sa/‏‏culture/‏‏culture/‏‏2140497). وكان موجز المقال:

«بدأت علاقة الولايات المتحدة باليونسكو منذ تأسيس المنظمة الدولية في عام 1946، إذ كانت أمريكا إحدى الدول المؤسِّسة، جنباً إلى جانب المملكة العربية السعودية ودول أخرى قليلة.

في عام 1984، قررت الولايات المتحدة الانسحاب من اليونسكو؛ احتجاجاً على ما أسمته انحياز المنظمة للأيديولوجيا الشيوعية، إبان سخونة الحرب الباردة، (الطلقة الأولى!).

في عام 2003، عادت الولايات المتحدة للانضمام إلى اليونسكو.

في عام 2017، انسحبت الولايات المتحدة من اليونسكو مرة أخرى؛ احتجاجاً على ما وصفته بانحياز المنظمة ضد إسرائيل، بعد التصويت على القرار الشهير عام 2011 بجعل فلسطين دولة كاملة العضوية في المنظمة، (الطلقة الثانية!).

وفي 25 يوليو 2023، عادت الولايات المتحدة للانضمام إلى اليونسكو».

وختمت مقدمة المقالة تلك بسؤال:

«متى ستكون (الطلقة الثالثة) بين الشريكين؟!»

لم أكن أتوقع أن يأتي الجواب على سؤالي بهذه السرعة، ففي 22 يوليو الجاري 2025، أعلنت الإدارة الأمريكية قرار انسحاب الولايات المتحدة من عضوية منظمة اليونسكو، حتى قبل أن تُكمل عامين من عودتها الأخيرة.

إذاً، بهذا القرار الجديد تكون أمريكا قد طلقت اليونسكو ثلاث طلقات، فهل سيكون هذا الانفصال بلا رجعة؟!

***

لماذا هذه الطلقات الثلاث؟

اقراء ايضا  الوزراء: ترحيب برأي «العدل الدولية» بشأن التزامات إسرائيل لتسهيل المساعدات للفلسطينيين

في كل مرة تعلن الولايات المتحدة سبباً، أو أسباباً، للخروج من المنظمة الدولية: التحيز ضد المصالح الأمريكية، التخبط الإداري، الفساد المالي، الانحياز ضد إسرائيل، الانحياز مع الصين.

في الواقع أن السبب الحقيقي للانسحاب المتكرر ليس أيّ من هذه الأسباب، فاتهام أي منظمة دولية بأنها منحازة لقضيةٍ ما أو جانبٍ ما، هو التواء على حقيقة واضحة مفادها أن الدول الأعضاء في المنظمة؛ أي منظمة، هم الذين يصنعون مواقفها عبر وضع مشاريع القرارات ثم مناقشتها علانيةً ثم التصويت عليها ثم اعتمادها، فالانحياز المزعوم هو انحياز الأغلبية ضد الأقلية عند التصويت. وهذا هو العمود الفقري لأخلاقيات الديمقراطية التي يسوّق الغرب لها في أنحاء العالم.

السبب الحقيقي للانسحاب الأمريكي المتكرر من اليونسكو هو أنها منظمة خالية من حق النقض (الڤيتو) الذي يعطي دولة عظمى الحرية المطلقة في نقض قرار صوتت عليه كل دول العالم، أو تكتلات العالم كما يجري في مجلس الأمن كل حين!

أي أن الولايات المتحدة «الديمقراطية» لا تريد للمنظمات الدولية أن تكون ديمقراطية تعامل الدول الأعضاء سواسية.

بإيجاز، فإن الولايات المتحدة تمارس ديمقراطيتها في الداخل الأمريكي، وللشعب الأمريكي فقط. أما في خارج الأرض الأمريكية فتمارس سياسة الرأي الواحد المطلق.

***

يتعذّر البعض للموقف الأمريكي من المنظمات الدولية، واليونسكو هنا تحديداً، بمبرر أنها تدفع الحصة الأكبر من ميزانية المنظمة (22%)، فكأنه من حقها إزاء ذلك أن تهيمن على مواقف المنظمة وقراراتها.

والحقيقة أن هذا التعذير غير مقبول؛ فالذي تدفعه الولايات المتحدة ليس تبرعاً طوعياً (Donation) تمننْ به على المنظمة، بل جزء من المساهمة الإلزامية (Contribution) التي يجب على الدول الأعضاء في أي منظمة دفعها بلا منّة. ويتم تحديد قيمة المساهمة لكل دولة بناء على معادلة رياضية موحدة يجري رسمها باعتبار: الناتج المحلي للدولة ودخل الفرد وحجم التجارة الخارجية، وعوامل أخرى متفاوتة. ويكون ذلك مشتقاً بشكل أساسي من مقياس الأنصبة المقررة في الأمم المتحدة، مع بعض التعديلات.

اقراء ايضا  جوبا: قمة ثلاثية لبحث التدخلات الخارجية في السودان - أخبار السعودية

يجدر التنويه بأن إدارة اليونسكو قد تنبهت أثناء الانسحاب السابق إلى هذا الخطر في انخفاض الميزانية، فأوجدت مصادر تمويلية بديلة لميزانية المنظمة مكّنتها من تخفيض نسبة الولايات المتحدة في المساهمة الإلزامية من 22% إلى 8% فقط، ما يعني تقليل خسارة اليونسكو من الانسحاب الأمريكي، بينما المتغيرات في الساحة العالمية تزيد من خسارة الولايات المتحدة، انسحاباً بعد آخر!

***

في يوم الأربعاء 12 أكتوبر 2011 (قبيل التصويت الناجح على جعل فلسطين دولة عضو في اليونسكو) زارني في مكتبي بالمنظمة السيد ديفيد كيليون سفير الولايات المتحدة لدى اليونسكو، وقد جاء يطلب مني أن أتدخل لدى الوفد الفلسطيني بطلب سحب مشروع قرار الاعتراف قبل التصويت عليه (خلال 15 يوماً فقط)، وعندما لم يجد تجاوباً مني قال:

«لو اعتُمد القرار فعلاً فستعلن الولايات المتحدة انسحابها من المنظمة أو تجميد مساهمتها المالية فيها، ونحن لا نريد أن نضطر لذلك!».

فأجبته: «سيزعجنا وسيؤذي المنظمة انسحاب دولة مؤثرة كالولايات المتحدة أو تجميد مساهمتها. لكن سيكون مؤذياً للمنظمة أيضاً أن تبقى قراراتها رهينة مزاج الدول ذات الحصص الكبرى في ميزانيتها. المساواة بين تأثير الدول الأعضاء في قرارات الوكالات الدولية هو ما يميزها عن مجلس الأمن الذي يتحكم به فيتو الدول الكبرى». (وضعت تفاصيل اللقاء الثنائي كاملاً في كتابي: النضال الدبلوماسي 2018).

بات الانسحاب الأمريكي من المنظمة مضراً مالياً، إلى حدٍّ ما.. ونافعاً أخلاقياً، إلى حدٍّ كبير.

أخبار ذات صلة

 




أمريكا واليونسكو.. الطلقة الثالثة ! – أخبار السعودية المصدر:

زر الذهاب إلى الأعلى
إنضم لقناتنا على تيليجرام