الأمم المتحدة – صياغة مستقبل السلام في عالم متغير.. دروس الماضي وأولويات الغد

هذان السؤالان كانا محور جلسة عقدها مجلس الأمن، اليوم الثلاثاء، حيث أكد وكيل الأمين العام للأمم المتحدة لعمليات السلام جان بيير لاكروا أن مداولات اليوم جاءت في وقت حاسم يشهد مراجعة شاملة لمستقبل جميع أشكال عمليات الأمم المتحدة لحفظ السلام.
وأوضح أن الهدف، وفقا لمـيثاق المستقبل، هو تقديم توصيات استراتيجية وموجهة نحو المستقبل لتعزيز عمليات السلام وتكييف أدوات الأمم المتحدة لتلبية الاحتياجات المتطورة.
وأشار لاكروا إلى أن عمليات حفظ السلام قد أثبتت أنها “أدوات حاسمة” في دفع عمليات السلام ودعم الحلول السياسية المستدامة، من خلال توفير الضمانات الأمنية، وتسهيل الحوار الشامل، ودعم التحولات الوطنية. وذكّر بأن هذه البعثات قد سهلت الانتقال من الحرب الأهلية إلى السلام الدائم في دول مثل كمبوديا وتيمور ليشتي وسيراليون وليبريا وكوت ديفوار.
تحديات بيئات النزاع والتقدم الهش
ومع ذلك، أقر لاكروا بأن حل النزاعات والوساطة فيها “مسعى معقد وغير مؤكد بطبيعته”، حيث تُنشر بعثات الأمم المتحدة غالبا في بيئات شديدة التقلب، وتتعثر فيها العمليات السياسية، وتتدنى الثقة بين أطراف النزاع، ويكون الوضع الإنساني وخيما.
ووصف التقدم بأنه “تدريجي، هش، وغير متساوٍ”، مشددا على أن حتى المكاسب المتواضعة يمكن أن تكون حاسمة في منع الانتكاس إلى العنف واسع النطاق وإنقاذ الأرواح.

ثلاثة مجالات حاسمة لتعزيز الفعالية
ولضمان فعالية بعثات حفظ السلام في تحقيق الحلول السياسية، سلط وكيل الأمين العام الضوء على ثلاثة مجالات حاسمة:
أولا، دور مجلس الأمن، ليس فقط في تكليف البعثات، بل في الدعم المستمر على الأرض. وشدد على أنه “عندما يتحدث المجلس بشكل جماعي، تتعزز شرعية عمليات حفظ السلام والعمليات السياسية التي تدعمها”.
ثانيا، عمل بعثات الأمم المتحدة وقياداتها “كسفراء دائمين وثابتين للسلام”.
ثالثا، التنسيق الوثيق مع الجهات الفاعلة الإقليمية ودون الإقليمية، التي يمكن أن يكون نفوذها السياسي وقربها من الأزمات حاسما في تشكيل نتائج سياسية إيجابية.
رابعا، الاستفادة بشكل أكثر فعالية من استثمارات البلدان المساهمة بالقوات العسكرية والشرطية.
الحماية والحلول السياسية: نهجان متلازمان
وأشار لاكروا إلى أن بعثات حفظ السلام كانت في طليعة دعم مبادرات السلام المحلية، مؤكدا أن السلام المستدام يظل بعيد المنال عندما يشعر الناس بالخطر. وشدد على أن “الحماية تُتيح مساحة للحلول السياسية، والحلول السياسية بدورها تُعزز الحماية”، مما يستدعي اتباع نهجين سياسي وحمائي بالتزامن.

تعزيز البعثات السياسية الخاصة
ألقت مساعدة الأمين العام للأمم المتحدة لشؤون أفريقيا مارثا بوبي، كلمة أمام مجلس الأمن نيابة عن وكيلة الأمين العام للشؤون السياسية وبناء السلام روزماري ديكارلو، مسلطة الضوء على الدور المحوري للبعثات السياسية الخاصة للأمم المتحدة في مساعدة الدول الأعضاء على اجتياز التحولات السياسية وتعزيز السلام والأمن.
وقد أبرزت بوبي النجاحات التاريخية، مستشهدة بدعم الأمم المتحدة لجنوب أفريقيا في إنهاء نظام الفصل العنصري، حيث عززت بعثة الأمم المتحدة هناك اتفاق السلام الوطني وساعدت في مراقبة الانتخابات التي دشنت مجتمعا ديمقراطيا متعدد الأعراق بانتخاب نيلسون مانديلا.
دروس مستفادة من تاريخ طويل
قدمت بوبي خمسة دروس أساسية من هذا التاريخ الغني:
أولا، كانت البعثات غالبا محددة زمنيا وموجهة نحو مهام سياسية ذات أولوية.
ثانيا، تميزت باستباقيتها في استخدام المساعي الحميدة للأمين العام.
ثالثا، نشأت هذه البعثات أحيانا بدعم من مجلس الأمن، وفي أحيان أخرى كانت نتيجة لتوسيع الأمين العام للمساحة الدبلوماسية بسرية بعيدا عن الأضواء.
رابعا، كانت غالبيتها مرنة، سهلة الانتشار، واقتصادية نسبيا.
خامسا، استند العمل السياسي والمساعي الحميدة لهذه البعثات إلى موافقة الدول الأعضاء، وهو أمر ضروري في زمن تتزايد فيه الشكوك تجاه الفاعلين الخارجيين.
تحديات معقدة ومشهد نزاع متطور
في المقابل، أشارت بوبي إلى أن عمليات السلام تواجه اليوم مشهدا معقدا ومتطورا للنزاعات. فالجماعات المسلحة غير الحكومية تواصل الانتشار، كما أن التقنيات الجديدة، من الذكاء الاصطناعي إلى الطائرات المسيرة، تجلب فرصا ومخاطر عند استخدامها كأسلحة. وتزداد عوامل النزاع العابرة للحدود، مثل الجريمة المنظمة وتأثير تغير المناخ.
وعلى الرغم من تلاقي هذه التهديدات، فإن التنافس الجيوستراتيجي المتزايد يجعل التعاون الدولي أكثر صعوبة، مما يستدعي التفكير في مستقبل عمليات السلام.

ثلاث أولويات لتعزيز الفعالية
استنادا إلى هذه التحديات، حددت بوبي ثلاث أولويات رئيسية لزيادة فعالية البعثات السياسية الخاصة في الحقبة الجديدة:
مضاعفة الجهود الدبلوماسية وصنع السلام: أكدت أن السياسة والدبلوماسية والحوار هي جوهر عمل الأمم المتحدة وأفضل أدواتها لحل النزاعات وبناء الثقة. واستشهدت بسوريا كمثال، حيث غيرت التغيرات في الظروف السياسية آفاق الدبلوماسية، مما دفع المبعوث الخاص غير بيدرسون للانخراط في دعم انتقال سياسي شامل.
الاستجابة لاحتياجات الدول المضيفة وضمان الدعم: شددت في هذا الصدد على ضرورة أن تكون البعثات متجاوبة مع احتياجات الدول المضيفة وأن تحظى بدعمها.
القدرة على التكيف مع التركيز السياسي: دعت إلى تصميم بعثات سياسية خاصة تتميز بالمرونة مع الحفاظ على تركيزها السياسي الأساسي. وأشارت إلى قدرة المجلس على تصميم بعثات مبتكرة، من القضاء على الأسلحة الكيميائية في سوريا إلى تعزيز المساءلة عن جرائم داعش في العراق، مؤكدة أن البعثات السياسية، بغض النظر عن شكلها، تهدف في جوهرها إلى السعي نحو حلول سياسية.
الإرادة حاسمة في صون السلام
استمع مجلس الأمن أيضا إلى إحاطة من زيد رعد الحسين بوصفه رئيسا للمعهد الدولي للسلام، حيث ذكّر المجلس بأنه عندما تتوفر الإرادة السياسية، يمكن للأمم المتحدة أن تلعب دورا حاسما في صون السلام والأمن، حتى في خضم الأزمات الجيوسياسية.
وبالاستناد إلى التاريخ، سلط الضوء على قيادة الأمين العام للأمم المتحدة داغ همرشولد خلال أزمة الشرق الأوسط عام 1958. فعلى الرغم من توترات الحرب الباردة وجمود المجلس، قام همرشولد بتوسيع بعثات مراقبي الأمم المتحدة بشكل إبداعي وتفاوض على حلول دبلوماسية في لبنان والأردن.
وأكد زيد رعد الحسين على أهمية القيادة الاستباقية للأمم المتحدة، والدبلوماسية الجماعية، والتبادل الديناميكي للأفكار داخل المنظمة وخارجها. واختتم بالقول إنه بينما تختلف التحديات التي تواجه عالمنا اليوم، تظل الدروس الدبلوماسية الأساسية – الإبداع والشجاعة والتعاون – حاسمة.
الأمم المتحدة – صياغة مستقبل السلام في عالم متغير.. دروس الماضي وأولويات الغد المصدر: