الأمم المتحدة: قوات الدعم السريع احتجزت المدنيين في الفاشر بلا غذاء، بما يرقى إلى استخدام التجويع كسلاح حرب

وفي حوار خاص مع أخبار الأمم المتحدة، قالت السيدة دينيس براون إن عدد الوافدين الذين كانوا يقطعون مسافة 50 كيلومترا إلى منطقة طويلة قد قلّ بشدة مما ينذر بأن قوات الدعم السريع “قد شددت الخناق على المدينة”، ومنعت الناس فعليا من المغادرة.
وشددت السيدة براون على أن قوات الدعم السريع “أبقت المدنيين محبوسين في مكان لا يستطيعون فيه الوصول إلى الغذاء، وهو ما يعادل استخدام التجويع كسلاح حرب”، مما يزيد من أهمية توثيق الانتهاكات لتحقيق العدالة والمساءلة في المستقبل.
وأعربت المسؤولة الأممية عن قلقها مما يبدو أنه “نمط يتشكل من السيطرة على المدن كحصن محصّن، حيث لا يستطيع أحد الدخول أو الخروج، بما في ذلك المساعدات الإغاثية”، وجددت دعوة الأمم المتحدة لتأمين وصول العاملين الإنسانيين الذين ليست لديهم أي أجندة سياسية.
المزيد في الحوار التالي مع دينيس براون منسقة الأمم المتحدة المقيمة ومنسقة الشؤون الإنسانية في السودان.
دينيس براون: الفاشر هي إحدى بؤر الصراع والعنف، ولدينا فريق إنساني كبير، يضم شركاء محليين ووطنيين ودوليين، في منطقة طويلة، التي تبعد حوالي 50 كيلومترا عن المدنية. قضيتُ هناك ما يقارب الأسبوع في تشرين الأول/أكتوبر.
ولكننا لم نتمكن من الوصول إلى الفاشر لأكثر من 500 يوم. هذا يعني عمليا أن قوافل المساعدات الإنسانية منعت. فلا طعام يدخل، ولا إمدادات طبية، ولا مياه شرب نظيفة – فعليا لم يدخل أي دعم.
 
عندما اشتد القتال يوم الأحد، بدأنا نتلقى تقارير موثوقة عن إعدامات بإجراءات موجزة لمدنيين غير مسلحين، وخاصة من الرجال، يُلقون على الأرض ويُطلق عليهم النار. تلقينا أيضا تقارير موثوقة عن إعدامات ميدانية لمدنيين أثناء محاولتهم الفرار من القتال في الفاشر. كما تلقينا تقارير لم نتمكن من تأكيدها بعد عن عمليات قتل جماعي. نعمل على التأكد من هذه التقارير، لكن الاتصالات مقطوعة، لذا فالأمر بالغ الصعوبة.
ليس بإمكان الفارين ركوب حافلات أو سيارات للوصول إلى طويلة، وقد سار الكثيرون منهم، حيث وصل المئات يومي الأحد والاثنين.
إلا أن عدد الوافدين انخفض الآن بشدة، مما يعني في اعتقادنا أن قوات الدعم السريع قد شددت الخناق على المدينة، ومنعت الناس فعليا من المغادرة. لقد دعا الأمين العام مرارا وتكرارا إلى إتاحة الوصول لقوافلنا الإنسانية وتوفير ممر آمن للمدنيين الفارين. لذا، فإن الوضع سيء للغاية. ونخشى أن يكون وضع الأشخاص الذين يعانون من الجوع والحرمان من المساعدة الطبية أسوأ حالا بمجرد أن نتمكن من الوصول إليهم.
أخبار الأمم المتحدة: ذكرتِ أن المدينة معزولة تماما عن أي إمدادات إنسانية، ولكن لا يزال هناك عاملون إنسانيون محاصرون داخلها – وقد وردت تقارير عن مقتل بعضهم. هل لديكم أي معلومات إضافية عن ذلك وما يفعلونه بالضبط الآن؟
دينيس براون: المساعدات الإنسانية في الفاشر محدودة للغاية. لدينا متطوعون إنسانيون موجودون هناك، وبعض الشركاء المحليين الذين يعملون معنا. وبالفعل، تلقينا تقارير عن مقتل بعضهم.
لا نعرف حتى الآن ما إذا كانوا قد قُتلوا خلال القصف والقتال، أم أنهم قُتلوا بالفعل عن قرب. مرة أخرى، ليست لدينا إمكانية الوصول حاليا. نحن على بُعد 50 كيلومترا ونحاول التحقق من المعلومات حيث لا توجد اتصالات. لذا، فالأمر صعب للغاية. لكن نعم، نعتقد أن لدينا تقارير موثوقة عن مقتل أولئك الذين يحاولون إنقاذ الآخرين.
أخبار الأمم المتحدة: كل ما ذكرتيه يصف بوضوح وضعا مروعا للغاية، وكذلك الحال لمقاطع الفيديو الصادرة من تلك المدينة. هل يمكنكِ وصف شعوركِ عندما شاهدتِ هذه الفيديوهات؟
دينيس براون: الحرب هي الحرب، وهناك قواعد للحرب. وقواعد الحرب تحمي المدنيين، وهناك تجاهل تام لحماية المدنيين و لقرار مجلس الأمن بشأن حماية المدنيين في الفاشر.
أشعر بمسؤولية جسيمة، وأشعر بمأساة جسيمة، وبأنه يجب علينا، وخاصة منظومة الأمم المتحدة، مواصلة توثيق ما يحدث هناك حتى يتسنى إجراء تحقيقات كاملة وتحقيق العدالة. لا أحد يستحق هذا، وشعب السودان لا يستحقه. لا أحد يستحقه.
أخبار الأمم المتحدة: من المسؤوليات التي تقومين بها كمنسقة مقيمة في السودان هي التواصل مع جميع الأطراف، بما في ذلك قيادة قوات الدعم السريع المسؤولة عما يجري في الفاشر اليوم. ما الذي يمكنك مشاركته معنا بشأن محادثاتك معهم؟
دينيس براون: الأمم المتحدة مسؤولة عن التواصل الدائم مع جميع الأطراف الفاعلة. هذه هي الطريقة الوحيدة لإيجاد الحلول. لذا، فإن الأمم المتحدة منخرطة بشكل كامل في حوار مع قوات الدعم السريع للوصول إلى مناطق مثل الفاشر، وكذلك كادوقلي في كردفان.
هذا جزء أساسي من مسؤوليتنا، ولكن من المؤسف أن دعواتنا – دعوة الأمين العام – لتوفير ممر آمن للعاملين في المجال الإنساني لم تلق آذانا صاغية. إن العاملين الإنسانيين يساعدون الآخرين، وليست لديهم أجندة سياسية. نحن نقوم بعملنا، ولكن يجب أن يُقابل ذلك بأفعال وردود أفعال من الأطراف الفاعلة الأخرى.
في هذه الحالة، لم تتصرف قوات الدعم السريع وفقا للقانون الدولي الإنساني. لقد حاصرت المساعدات الإنسانية. لقد حبست المدنيين في مكان لا يستطيعون فيه الوصول إلى الغذاء، وهو ما يرقى إلى استخدام التجويع كسلاح حرب. لم ينصتوا، بل انتهكوا [القانون الدولي]. ومجددا، التحقيقات والعدالة أمران أساسيان للغاية.
أخبار الأمم المتحدة: كما ذكرت، فقد فاقم الوضع في الفاشر أزمة النزوح الهائلة في دارفور، وشهدت بلدة طويلة، التي زرتيها مؤخرا، وصول أعداد كبيرة من الناس. ما الذي تفعله الأمم المتحدة لدعم السكان هناك؟
دينيس براون: تعد طويلة مركزا إنسانيا مهما، ولا بدّ لي من تقدير دور الجهات الفاعلة السودانية المحلية، والمنظمات غير الحكومية الوطنية والدولية، بالإضافة إلى وجود الأمم المتحدة. يعمل هؤلاء الزملاء عن كثب مع أحد أهم بؤر العنف، وهم يقدمون الدعم هناك من خلال مراكز الاستقرار، والمرافق الطبية، والطعام، والمساعدات النقدية، والدعم النفسي والاجتماعي.
نحن نقدم الإمدادات، لكن توفير الحماية وضمان حصول الناس على هذا الدعم عند تعرضهم للصدمات والاختباء والفرار من العنف أمر بالغ الأهمية.
لذا، يقوم مجتمع الإغاثة بما يفعله دائما، وهو الوقوف في أصعب الأماكن لبذل قصارى جهده لدعم الأفراد الذين يعانون من عواقب الحرب.
أخبار الأمم المتحدة: بالطبع، تتجه جميع الأنظار الآن إلى الفاشر ودارفور، نظرا للوضع المروع. لكن هل يمكنك إخبارنا قليلا عن الوضع في أماكن أخرى من البلاد؟
دينيس براون: نحن قلقون للغاية بشأن سكان كردفان، وخاصة كادوقلي، وقد وقعت هجمات مُسيرة حول الأبيض في الأيام الأخيرة. لدينا وجود كبير للأمم المتحدة، وزملاؤنا من المنظمات غير الحكومية موجودون هناك أيضا.
آمل أن أصل إلى هناك خلال الأسابيع القليلة المقبلة لفهم الوضع بشكل أفضل، لكن يبدو لي أن هناك نمطا يتشكل من السيطرة على المدن كحصن محصّن، حيث لا يستطيع أحد الدخول أو الخروج، بما في ذلك المساعدات الإغاثية.
في حين أنه من المهم جدا إدراك أن الفاشر مأساة، وأننا بحاجة إلى وقف عمليات القتل، إلا أننا قلقون أيضا بشأن أجزاء أخرى من البلاد، وعلى السودانيين الذين يعيشون فيها.
أخبار الأمم المتحدة: لطالما دعت الأمم المتحدة مرارا وتكرارا إلى وقف تدفق المقاتلين والأسلحة إلى السودان، ومع ذلك لا يزال القتال مستمرا. ما هي القوى الخارجية المسؤولة عن تأجيج هذا الصراع؟
دينيس براون: هذا سؤال سياسي بالغ الأهمية. لقد ألمح الأمين العام إلى ذلك في بيانه يوم الاثنين. أعتقد أنه من الأفضل أن تُعالج الجهات السياسية الفاعلة هذا السؤال.
*تعبير الإعدامات بإجراءات موجزة يشير إلى القتل المتعمد للأفراد خارج أي إطار قانوني.
الأمم المتحدة: قوات الدعم السريع احتجزت المدنيين في الفاشر بلا غذاء، بما يرقى إلى استخدام التجويع كسلاح حرب المصدر:










