الاقتصاد البريطاني يبدأ تعافيه رغم التحديات العالمية

أفاد صندوق النقد الدولي بأن الاقتصاد البريطاني بدأ يتعافى بعد تباطؤ ملحوظ في النصف الثاني من 2024، متوقعاً أن يواصل اكتساب الزخم خلال الفترة المقبلة.
وفقاً للبيان الختامي لمشاورات المادة الرابعة، يُتوقع أن ينمو الاقتصاد البريطاني بنسبة 1.2 في المائة في عام 2025 و1.42 في المائة في عام 2026. ويُعزى هذا الدعم إلى سياسة نقدية أكثر مرونة، وتحسن ثقة المستهلك، بالإضافة إلى زيادة الإنفاق العام في موازنة أكتوبر (تشرين الأول).
ومع ذلك، أشار الصندوق إلى أن التوترات التجارية العالمية ستستمر في إلقاء ظلالها على الاقتصاد، مما قد يقلص الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 0.3 في المائة عام 2026. ويعزى هذا الانكماش إلى حالة عدم اليقين وضعف الطلب الخارجي، فضلاً عن استمرار الرسوم الأميركية.
وأكد الصندوق أن الإصلاحات الهيكلية، لا سيما في مجالات التخطيط والبنية التحتية، يمكن أن تعزز بشكل كبير من إمكانات النمو إذا تم تنفيذها بفعالية. ورغم هذه الجهود، يظل النمو على المدى المتوسط مقيداً عند 1.4 في المائة بسبب ضعف الإنتاجية المزمن.
مخاطر النمو
تظل المخاطر المحيطة بالنمو تميل إلى الجانب السلبي، إذ قد يؤدي تشديد الأوضاع المالية وزيادة الادخار الاحترازي للأسر إلى إبطاء استهلاك القطاع الخاص وتقويض الانتعاش. كما أن استمرار حالة عدم اليقين في التجارة العالمية يثقل كاهل الاقتصاد عبر تقويض النشاط وتعطيل سلاسل التوريد وتراجع الاستثمار الخاص، وفق الصندوق.
فيما يتعلق بالمالية العامة، توازن الاستراتيجية الحكومية على مدى السنوات الخمس المقبلة بين دعم النمو وضمان الاستدامة. ورغم رفع الضرائب، فإن خطط الإنفاق المعلنة تُعد موثوقة ومحفزة للنمو، مع الأخذ في الاعتبار ضغوط الخدمات العامة واحتياجات الاستثمار. ومن المتوقع تحسن الإيرادات وتراجع العجز واستقرار صافي الدين، لكن الصندوق يحذر من أن المخاطر العالمية وتقلبات الأسواق تستدعيان التزاماً صارماً بالمسار الحالي والاستعداد لاتخاذ إجراءات إضافية عند الحاجة.
ورأى صندوق النقد الدولي أنه على المدى الطويل تواجه بريطانيا ضغوطاً مالية متزايدة تتطلب قرارات صعبة لمعالجة تحديات الإنفاق وإعادة بناء الهوامش المالية، مع توقع ارتفاع الإنفاق الحكومي بنحو 8 في المائة من الناتج المحلي بحلول 2050، بسبب تكاليف الصحة والمعاشات المرتبطة بشيخوخة السكان. ونظراً لمحدودية القدرة على التمويل بالاقتراض، سيكون من الضروري زيادة الإيرادات أو إعادة النظر في أولويات الإنفاق ودور الدولة بما يتناسب مع الموارد المتاحة.
واعتبر الصندوق أن الإصلاحات الأخيرة للإطار المالي تعمل على تعزيز مصداقيته وفعاليته. وتُتيح قاعدة التوازن المالي الجديدة مساحة أوسع للاستثمار، بينما تضمن قاعدة الدين الحفاظ على الاستدامة المالية. ومن المرجح أن يُسهم اعتماد أفق زمني يمتد لثلاث سنوات، مقروناً بمراجعات دورية للإنفاق، في تعزيز مصداقية الإطار المالي وتوفير مرونة أكبر للتكيف التدريجي مع الصدمات.
سياسة نقدية مرنة
يظل النهج التدريجي والمرن للتيسير النقدي مناسباً لدعم الاقتصاد وتقليل مخاطر التضخم، المتوقع أن يظل مرتفعاً حتى منتصف 2025 قبل العودة للمستهدف عام 2026. ويواصل بنك إنجلترا تخفيض ميزانيته مع التحول لعمليات إعادة الشراء للحفاظ على السيطرة والمرونة لتفعيل التيسير الكمي عند الحاجة.
وأشار الصندوق إلى أن القطاع المصرفي البريطاني يبقى متيناً برأسمال وسيولة كافية، مع تقدم في تقييم ومراقبة مخاطر القطاع غير المصرفي الذي يشكل أكثر من نصف الأصول المالية، وتعزيز مرونة السوق من خلال تسهيلات جديدة وتعاون مستمر مع مجلس الاستقرار المالي. وتشير اضطرابات أسواق السندات إلى الحاجة لتعزيز مرونة سوق السندات الحكومية، مع توصية بالمراقبة الدقيقة، اختبارات الإجهاد المستمرة، وترحيب بإصدار أدوات قصيرة الأجل وتحسين البنية التحتية للسوق.
ويوصي فريق العمل بموازنة إصلاحات القطاع المالي بين دعم النمو والحفاظ على الاستقرار، مع تحديث الأطر التنظيمية بحذر، وتعزيز رقابة هيئة تنظيم المعاشات لضمان استقرار القطاع وتجنب آثار سلبية مثل تراجع المنافسة.
أما على صعيد السياسات الهيكلية، فيُعد ضعف الإنتاجية المزمن التحدي الأكبر أمام النمو وتحسين المعيشة، نتيجة تباطؤ النمو بعد الأزمة المالية العالمية وتراكم الصدمات مثل خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي و«كوفيد – 19» وأزمة الطاقة، مع أسباب متعددة تشمل ضعف الاستثمار، وقلة الإنفاق على البحث والتطوير، وصعوبات التمويل، وفجوات المهارات وتراجع الصحة.
وعليه؛ تحتاج بريطانيا إلى إصلاحات هيكلية متكاملة مع ترتيب أولويات وتسلسل محكم للسياسات في ظل تحديات مالية وخارجية. فالنمو يرتكز على الاستقرار السياسي، وتعزيز رأس المال، وتطوير المهارات، مع تركيز خاص على استقرار السياسات التجارية، وإصلاح التخطيط والبنية التحتية، وتحسين القوى العاملة. كما تلعب السياسة الصناعية دوراً داعماً، لكن الإصلاحات الأفقية مثل تخفيف قيود التخطيط هي الأساس لتعزيز النمو.
الاقتصاد البريطاني يبدأ تعافيه رغم التحديات العالمية المصدر: