التعليم في عصر التحولات الكبرى

يركز كتاب «نماذج وقضايا في التعليم العالي» للدكتور خليف الطراونة والدكتورة هبة أبو عيادة على أهمية التعليم العالي كإحدى الركائز الأساسية لتقدّم المجتمعات وبناء الإنسان القادر على الإسهام في تنمية وطنه ومواجهة تحديات العصر، بخاصة مع تطوّر العولمة والتحولات التكنولوجية والاقتصادية، التي أدت إلى أن تواجه منظومة التعليم العالي ضغوطاً متزايدة تدفعها إلى إعادة النظر في أدوارها، ونماذجها، وآلياتها.
تضمن الكتاب الصادر أخيرا عن «الآن ناشرون وموزعون» في الأردن تسعة فصول، حمل الفصل الأول عنوان «الإبداع والابتكار ودوره في تعزيز دور الجامعات نحو الريادية»، وأكد فيه الباحثان على أن الفكر القيادي الذي يؤمن بالإبداع والابتكار، والعمل الجماعي التشاركي، يخطو خطى واسعة وواثقة نحو تحقيق الأهداف، ويرسم صورة متناسقة للمنظمة، وينشر القيم الإيجابية التي تخلق مناخاً تنظيمياً منفتحاً.
وجاء الفصل الثاني بعنوان «الجودة في التعليم العالي»، ليؤكد على أن الجودة بمفهومها المطلق تدل على التميز في الأداء بكافة الجوانب، وأن مؤسسات التعليم العالي من أكثر المؤسسات حاجة لتطبيق الجودة لما له من أثر في بناء مستقبل الشباب، حيث تقوم هذه المؤسسات بهيكلة خريجيها وفق ما يحتاجه الوطن والعالم من مخرجات عملية وعلمية، فالأجدر بكل قطاعات الدولة أن تحشد جهودها وإمكاناتها المادية والمعنوية للارتقاء بجودة هذه المؤسسات، وجعل السوق العالمية تستقطب خريجيها لما لديهم من قيم وعلوم استقوها من جامعاتهم، التي بدورها احتضنتهم ولبت متطلباتهم وواءمت بينها وبين متطلبات السوقين المحلية والعالمية ككل.
أما الفصل الثالث «الأخلاقيات المهنية في التعليم العالي» فركز على أهمية المنظومة الأخلاقية في سير العملية التعليمية، كركيزة أساسية لتأسيس العلاقات الإيجابية بين الأفراد ضمن دستور أخلاقي قانوني يحدد مبادئ مهمة للسلوك المرتبطة بمعايير السلوك الجيد أو غير الجيد، أو السلوك الصحيح والسلوك الخطأ في تصرفات الأفراد والجماعة، لذا فقد عني الإسلام بهذا الجانب المهم، فالأخلاق الإسلامية التي تتحكم في العمل تقوم على أساس قوي وقاعدة صلبة، وهما القرآن الكريم الذي تكفل الله سبحانه وتعالى بحفظه، والسنة المطهرة.
وناقش الفصل الرابع موضوع «الجامعة المنتجة»، حيث أوضح الطراونة وعيادة أهمية تحقيق التقدّم في المجتمعات المختلفة، والذي يتوقف على قدرة هذه المجتمعات على إعداد وتنمية مواردها البشرية، ولا يتم ذلك إلا عن طريق إيجاد نظام تعليمي متميز وقادر على تحقيق التنمية في جميع المجالات. مبينين أن تنمية الموارد البشرية تتحقق من خلال التعليم الذي يشكل المحك الرئيسي لإعداد هذه القوى، وتعد الجامعات من أهم المؤسسات التي تؤثر في إعداد النشء القادر على النهوض بأمته ووطنه، كما تقع على كاهل القائمين على إدارة هذه الجامعات مسؤولية كبيرة تتمثل في حُسن استثمار جميع الموارد المادية والبشرية المتاحة من أجل تحقيق أهدافها.
ويرى المؤلفان في الفصل الخامس «التعليم الإلكتروني»، أن عصراً جديداً في تاريخ التعليم الجامعي قد بدأ، وإن العامل الحاسم في الحياة المجتمعية سيتمحور حول المعرفة، حيث إن نواة التنظيم الاجتماعي والمؤسسة الاجتماعية الرئيسة لمجتمع الغد ستتمحور حول الجامعة بوصفها مركزاً لإنتاج التراكم المعرفي، وأشار الباحثان إلى أن التقدم التكنولوجي انعكس على التعليم وبشكل خاص على تكنولوجيا التعليم، حيث أدى إلى وفرة معلومات في جميع التخصصات، كما أدى إلى ظهور مهارات وأساليب وتقنيات وتطبيقات حديثة أصبحت جزءا لا يتجزأ من المجتمعات الحديثة، الأمر الذي جعل التربويين يسعون إلى تطوير أساليب التعليم والتعلم للوصول بالفرد المتعلم إلى اكتساب المعلومات بنفسه، والتغلب على مشكلات التعليم التقليدي وبعض المشكلات التربوية المعاصرة مثل الانفجار السكاني، والتقدم المتصارع في مجالات المعرفة.
كما دعا الكتاب صانعي القرار إلى إيلاء أهمية لتوسيع هامش الحرية الأكاديمية في مجال البحث العلمي لأعضاء هيئة التدريس، وتهيئة الظروف لتشجيعهم، وكذلك ضرورة استقلالية الجامعات.
وتناول الباحثان أيضاً «واقع التمويل الجامعي»، مشيرين إلى اهتمام العديد من الأبحاث بمفهوم التمويل الجامعي بجميع أشكاله، لما له من أثر واضح في تحقيق الجامعات لأهدافها التي من أهمها إعداد الفرد المؤهل لخدمة نفسه ووطنه، على اعتبار ذلك استثماراً ناجحاً في رأس المال البشري.
التعليم في عصر التحولات الكبرى المصدر: