الحروب تسرق التاريخ..متحف السودان الوطني نموذجا لدمار التراث الثقافي

نهب التاريخ
وفي العاصمة السودانية الخرطوم، يقف المتحف الوطني السوداني كأحد أهم المعالم الحضارية في البلاد، موطنًا لآلاف القطع الأثرية التي تمتد من عصور ما قبل التاريخ حتى الحقب الإسلامية، لكن هذا الصرح الثقافي العريق لم ينجُ من أهوال الحرب التي اندلعت في أبريل 2023 بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، والتي استمرت عامين حصدت أرواح الآلاف وشرّدت الملايين.
وتحولت قاعات المتحف، التي كانت تضج بتماثيل الفراعنة ومقتنيات الممالك النوبية والمروية، إلى فضاءات خاوية تملؤها الأنقاض، حيث تهشمت خزائن العرض، والقطع الذهبية نُهبت، والمومياوات تُركت مكشوفة في صناديق التخزين، ومع استعادة الجيش للسيطرة على المنطقة الشهر الماضي، بدأ المسؤولون في حصر الخسائر، وسط صدمة واسعة من حجم الدمار الذي لحق بالمتحف ومقتنياته.
تحقيقات في الظلام
وحمّلت السلطات السودانية مسؤولية التخريب والنهب لقوات الدعم السريع، التي اتخذت المتحف مقرًا لها خلال فترة سيطرتها على الحي المحيط به. وأكد جمال الدين زين العابدين، المسؤول في الهيئة العامة للآثار والمتاحف، أن «قوات الدعم السريع دمرت كل ما يمتّ لحضارة السودان بصلة». وأشار إلى أن اللصوص اقتحموا المخازن المغلقة وسرقوا كل ما فيها من ذهب، مضيفًا أن حصر الخسائر لا يزال في مراحله الأولى.
ورغم أن بعض القطع الثقيلة لا تزال قائمة في ساحة المتحف، مثل تماثيل الأسود الفرعونية ومعابد نُقلت من شمال السودان في ستينيات القرن الماضي، إلا أن قاعات العرض الأساسية فقدت الكثير من محتوياتها، كما لحقت أضرار جسيمة بمتحف الإثنوغرافيا، حيث تهدمت الجدران واحترقت القاعات والمكاتب بالكامل.
محو الهوية
واليونسكو أعربت عن قلقها الشديد إزاء ما حدث، معتبرة أن نهب المتحف «يشكل خطرًا على الهوية الثقافية السودانية ويعيق تعافي البلاد».
وفي بيان لها، أكدت المنظمة الأممية أن متاحف ومواقع أثرية في ولايات عدة تعرضت للدمار والنهب، إلا أن الوضع الأمني يحول دون إجراء تقييم شامل.
من جهته، قال أحد سكان الخرطوم إن ما يحدث «ليس فقط حربًا ضد المدنيين، بل حرب على أقدم أمة في التاريخ، وعلى ذاكرتها الجماعية»، وهي تصريحات تلخّص ما يشعر به الكثير من السودانيين الذين يرون في تراثهم امتدادًا لكرامتهم ووجودهم، وليس مجرد مقتنيات تاريخية.
إعادة الإعمار
ورغم صعوبة المشهد، بدأ الحديث عن إعادة إعمار ما دمرته الحرب، وأكد زين العابدين أن لجانًا متخصصة ستقيّم الأضرار، وتضع خططًا لإعادة تأهيل المتاحف، تشمل إصلاح المباني، وترميم مخازن الآثار، وتأهيل الأراضي المحيطة بها، لكن هذه الخطط تصطدم بواقع مؤلم: أكثر من 14 مليون مشرد، ونحو 20 ألف قتيل، رقم يُرجح أنه أقل بكثير من العدد الحقيقي، فيما تقترب أجزاء من السودان من المجاعة.
الحروب تسرق التاريخ..متحف السودان الوطني نموذجا لدمار التراث الثقافي المصدر: