اخر الاخبار

الموصل تنفض غبار الحرب: مبادرة اليونسكو تعيد الحياة إلى المدينة القديمة

وفقا لليونسكو، تقوم حملة “إحياء روح الموصل” على ثلاث ركائز تتمثل في التراث، والحياة الثقافية، والتربية والتعليم، باعتبارها وسائل رئيسية لإنعاش مدينة الموصل.

نادية العقيدي، مهندسة مدنية تعمل مع فريق اليونسكو الميداني في مدينة الموصل القديمة ضمن مبادرة إحياء روح الموصل. تقول إن جهود إعادة الإعمار حققت تقدما كبيرا. ففي المراحل الأولى والثانية من المشروع، وبدعم من الاتحاد الأوروبي، تم ترميم 124 منزلا تراثيا في المدينة القديمة. وقد استفاد من ترميم المنازل حوالي 160 عائلة عادت غالبيتها إلى منازلها في المنطقة المحيطة بجامع النوري الكبير، الذي يعد أحد أبرز المعالم التي تركز عليها اليونسكو في جهودها.

لم يقتصر تأثير المشروع على توفير مأوى للسكان، بل ساهم بشكل كبير في تحسين حياة الأهالي وتنشيط الاقتصاد المحلي. كما شهدت المنطقة تطويرا ملحوظا في بنيتها التحتية، حيث تم ترميم الشوارع وشبكات المياه، ورصف الطرق، وتوفير الإنارة والكهرباء، وفقا للسيدة نادية العقيدي.

شعور بالرضا

تعكس عودة الأهالي إلى منازلهم شعورا عميقا بالرضا والامتنان، وفقا للمهندسة نادية العقيدي. فبالنسبة للكثيرين، تمثل هذه المنازل جزءا من تاريخهم وهويتهم، وقد حافظوا على أمل العودة إليها رغم الظروف الصعبة. وقالت العقيدي إن تحقيق هذا الهدف كان بمثابة إنجاز كبير للمبادرة، وتابعت بالقول:

اقراء ايضا  123 مليون.. عقود لاستكمال مقر الطالبات بجامعة أمِّ القُرى

“انتاب الأهالي شعور بالرضى بعد أن اكتمل البناء وتم تسليمهم منازلهم، وهذا أعتقد هو الجانب الأهم والإنجاز الأهم الذي حققناه. لقد ساعدهم هذا المشروع على العودة إلى بيوتهم ومنطقتهم حيث أن أغلب الأهالي لديهم ارتباط وثيق بهذه المناطق لأنهم توارثوها عن أبائهم وأجدادهم منذ مئات السنين وعبر الأجيال. فالجميع لديهم ذكريات وارتباط روحي بهذه المنطقة وليس من السهل عليهم مغادرة هذه المنطقة”.

"إحياء روح الموصل" هي إحدى حملات إعادة البناء الأكثر طموحاً حتى الآن من بين تلك التي نظَّمتها اليونسكو. وقد كانت معقدة بصورة خاصة نظراً إلى القيمة التراثية الفريدة للمواقع والآثار التي أعادت اليونسكو بناءها.

جامع النوري

كان جامع النوري مع مئذنته الحدباء رمزا للموصل على مرِّ القرون، غير أنهما تحولا إلى ركام بعد اجتياح تنظيم داعش للمدينة عام 2014؛ ولكنهما عادا اليوم ليزينا سماء المدينة.

ويقول عمر، وهو مهندس معماري شاب وأحد سكان المدينة: “عندما رأيت المئذنة ترتفع مجددا، شعرت وكأنني أرى الحياة تدبُّ مرة أخرى في مدينتي. نحن لا نعيد بناء الموصل وحسب، وإنما نعيد إحياء روحنا التي لا يمكن لأي أحد أن يدمرها”.

يقوم بعض العمال بترميم قبة مسجد النوري في مدينة الموصل العراقية والذي تعرض لأضرار جسيمة بسبب انفجار عام 2017 أثناء احتلال داعش للمدينة.

انتعاش قطاع السياحة

بالإضافة إلى ذلك، بدأت الموصل القديمة تستعيد مكانتها باعتبارها وجهة ثقافية وسياحية. فبعد سنوات من العزلة والدمار، أصبحت المنطقة تجذب الزوار والمهتمين بالتراث من داخل العراق وخارجه، مما يعكس الأثر الإيجابي للمبادرة على صورة المدينة وجاذبيتها.

وتشرح لنا نادية العقيدي ذلك بالقول: “لاحظنا زيادة في عدد السياح والمهتمين بهذه المنطقة وبتراث مدينة الموصل القديمة. وأصبحت نقطة جذب لكثير من المهتمين بالسياحة ليس فقط من العراقيين أو من العرب، بل نشاهد تقريبا – بشكل متكرر – العديد من السياح من دول مختلفة”.

تدريب شباب وشابات الموصل

ولم تغفل مبادرة “إحياء روح الموصل” أهمية تمكين شباب المدينة. فقد عملت اليونسكو بالتعاون مع وزارة العمل والشؤون الاجتماعية على تدريب أكثر من 1300 شاب وشابة في معهد التطوير والتدريب المهني التابع للوزارة وتطوير مهاراتهم في مجال البناء مع التركيز بشكل خاص على تقنيات ترميم المباني التراثية.

اقراء ايضا  ديوان المظالم يشارك بجلسة حوارية بمؤتمر الأرشيف في العصر الرقمي

تقول العقيدي: “بعد تخرجهم من معهد التدريب والتطوير المهني في هذه الدورة التي استمرت أربعة أشهر انضموا إلى مشاريعنا التي تم تنفيذها من خلال المقاولين المحليين، وأيضا انخرطوا في التطبيق العملي لما تعلموه من خلال الدورات في هذا المعهد وشاركوا بالعمل على بناء وترميم هذه المنازل”.

وقالت العقيدي إن مشاركة هؤلاء الشباب في أعمال إعادة الإعمار ساهمت في خلق فرص عمل وتعزيز خبراتهم.

وأعادت اليونسكو بناء معالم مدينة الموصل ذات القيمة الرمزية، فضلاً عن 124 بيتاً تراثياً، والعديد من المباني الأخرى في مدينة الموصل القديمة.

تحديات مخلفات الحرب

واجهت عملية إعادة الإعمار تحديات جمة، من بينها انتشار الذخائر غير المنفجرة التي خلفتها المعارك العنيفة بين تنظيم داعش والقوات الأمنية. وقالت نادية العقيدي إن اليونسكو تعاملت مع هذه المشكلة بجدية، حيث عملت بالتنسيق مع الجهات المختصة على تطهير المناطق المتضررة قبل البدء بأعمال البناء، لضمان سلامة السكان والعاملين.

دور الحكومة المحلية

تركز المرحلة الثالثة من مشروع “إحياء روح الموصل” على ترميم المباني العامة ذات الأهمية التراثية لتخدم جميع سكان المدينة، بالإضافة إلى بناء قدرات المؤسسات المحلية لضمان استدامة جهود إعادة الإعمار في المستقبل. يهدف هذا الجانب إلى تمكين الحكومة المحلية من تولي مسؤولية إكمال عملية إعمار المدينة القديمة، التي لا تزال تعاني من آثار الدمار في بعض أجزائها.

 يشارك خبراء اليونسكو الميدانيون في الموصل، من مهندسين مسؤولين عن المواقع ومهندسين معماريين ومديرين للمواقع وعمال في عمليات بناء وترميم المدينة.

وتقول السيدة نادية العقيدي: “مدينة الموصل القديمة كبيرة وليست حيا واحدا فقط. وليس هناك جهد سواء كان من الأمم المتحدة أو أي منظمة أخرى يمكنه أن يقوم بعملية الإعمار كاملا، ولكن يجب أن يكون هناك تضافر لجهود المحلية أيضا وأن تساهم الحكومة في إعمار هذه المنطقة وهذا ما تقوم به الحكومة المحلية الآن بالفعل”.

من خلال التركيز على ترميم التراث، وتطوير البنية التحتية، وتمكين المجتمع المحلي، تسعى مبادرة “إحياء روح الموصل” إلى إعادة كتابة قصة هذه المدينة العريقة، واستعادة مكانتها كمركز حضاري وثقافي نابض بالحياة.

اقراء ايضا  قصة نبي الله يوسف عليه السلام مع إخوته وتحقق رؤياه

 


الموصل تنفض غبار الحرب: مبادرة اليونسكو تعيد الحياة إلى المدينة القديمة المصدر:

زر الذهاب إلى الأعلى
إنضم لقناتنا على تيليجرام