اخر الاخبار

تحدّيات ملحّة تفرض نفسها على موائد النقاش خلال “كوب 16” الرياض

يحتضن مؤتمر الأطراف “كوب 16” الرياض هذا العام نقاشات جوهرية حول التحديات البيئية والاجتماعية الأكثر إلحاحاً، حيث تجتمع الدول والجهات الفاعلة العالمية لمواجهة الروابط العميقة بين تدهور الأراضي والتصحر والجفاف، وما يترتب على ذلك من تداعيات على الهجرة القسرية والأمن الغذائي وسبل العيش المستقرة.ويوفر هذا المؤتمر منصة لوضع أطر عمل مبتكرة للحد من هذه الضغوط، ودعم المجتمعات المتضررة من الأزمات البيئية. ومن خلال التركيز على قضايا محورية تشمل أزمة المياه والبطالة الناجمة عن التغيرات البيئية، وأخرى تتعلق بالصحة العامة، يسعى “كوب 16” الرياض إلى تعزيز التعاون الدولي، وتحفيز الابتكار، ودعم المجتمعات المحلية في مواجهة التحديات التي تهدد الاستدامة على نطاق عالمي.

التصحر وتدهور الأراضي وأزمة المياه

التصحر وتدهور الأراضي تحديان يرتبطان ببعضهما بعضاً ليفرضان ضغوطاً بيئية تلقي بظلالها القاتمة على الاستدامة البيئية والأمن الغذائي في العالم، خاصة في المناطق الجافة وشبه الجافة مثل منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، حيث تشهد هذه المناطق معدلات مرتفعة من تدهور الأراضي وفقدان التنوع البيولوجي. ووفقاً لتقرير صدر عن برنامج الأمم المتحدة للبيئة، فقد تبين أن حوالي 20-25% من الأراضي الزراعية حول العالم تعاني التدهور، ما يؤثر بشكل مباشر على سبل العيش والأمن الغذائي لأكثر من 1.3 مليار شخص يعتمدون على هذه الأراضي في معيشتهم. ولو أخذنا منطقتنا نموذجاً، نجد أن التصحر يُسهم في تفاقم أزمة المياه، حيث تشير الإحصاءات إلى أن نسبة 60% من سكان المنطقة يعيشون في مناطق تعاني ندرة مائية شديدة.

وهناك أزمة المياه التي تندرج هي الأخرى على قائمة أبرز التحديات التي تواجهها المجتمعات في ظل التغير المناخي والتصحر، إذ تؤدي زيادة درجات الحرارة وانخفاض معدلات الهطول إلى تقلص موارد المياه المتاحة بشكل كبير. ووفقاً لتقديرات البنك الدولي، فإن حوالي 25% من سكان العالم يعيشون في مناطق تعاني من ندرة مائية حرجة، بينما تصل هذه النسبة إلى أكثر من 60% في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، حيث تعتمد المجتمعات بشكل كبير على المياه للزراعة والشرب. ويُتوقع أن يزداد الضغط على الموارد المائية بحلول العام 2050، ما سيؤثر سلباً على الزراعة وإنتاج الغذاء، ويزيد من حدة الفقر والنزوح.

اقراء ايضا  عبارات عيد ميلاد وأجمل كلمات التهنئة بالعربية والإنجليزية

تحديات التغيرات المناخية والبيئية

تؤثر التغيرات المناخية بشكل مباشر على استقرار المجتمعات، حيث تؤدي ندرة الموارد الطبيعية، مثل المياه والأراضي الزراعية إلى زيادة الهجرة الداخلية والخارجية، ونتيجة لذلك، تتفاقم الضغوط الاجتماعية والاقتصادية. ووفقاً لتقرير الأمم المتحدة حول الهجرة، يُتوقع أن يصل عدد الأشخاص الذين يضطرون للهجرة بسبب التغيرات المناخية إلى 200 مليون شخص بحلول العام 2050. وغالباً ما تكون هذه الهجرة ناتجة عن التصحر والجفاف، ناهيك عن ارتفاع مستويات البحر، لتفرض ضغوطاً على المدن والمناطق المجاورة، ما يرفع مستويات البطالة في المجتمعات المتأثرة.

وتخلّف التحديات البيئية تأثيرات حادة على الاقتصادات المحلية، خاصة في المناطق التي تعتمد بشكل أساسي على الموارد الطبيعية مثل الزراعة والتعدين والصيد. وقد أظهرت دراسة أجرتها مجموعة البنك الدولي أن 1.2 مليار شخص يواجهون مخاطر قد تغير حياتهم بسبب التعرض لخطر واحد على الأقل من أخطار المناخ، مثل موجات الحر والفيضانات والأعاصير والجفاف، ما يشكل تهديداً كبيراً للعديد من الاقتصادات النامية. وفي الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، التي تعتمد اقتصاداتها بشكل كبير على النفط والغاز والزراعة، قد يؤدي التصحر والجفاف إلى تقليص الإنتاج الزراعي بشكل حاد، مما يفاقم من تحديات الأمن الغذائي والتنمية الاقتصادية.

ويُعتبر التصحر وتدهور البيئة من العوامل الرئيسية التي تؤدي إلى تدهور الصحة العامة، حيث يسهم في تفاقم تلوث الهواء والتربة، ما يرفع من معدلات الأمراض التنفسية والعدوى. ووفقاً لمنظمة الصحة العالمية، يُسهم تلوث الهواء في وفاة حوالي 7 ملايين شخص سنوياً على مستوى العالم، وهو ما يعكس حجم التأثيرات الصحية السلبية الناجمة عن تدهور البيئة. وفي المناطق المتأثرة بالتصحر، مثل بعض مناطق الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، يؤدي الغبار والعواصف الرملية الناتجة عن تدهور الأراضي إلى زيادة في الأمراض التنفسية، مثل الربو والتهاب الشعب الهوائية، كما أن تدهور التربة يؤثر على جودة المياه والمصادر الغذائية، ويزيد من خطر الإصابة بالأمراض المعدية نتيجة تلوث مصادر المياه.

اقراء ايضا  "رأي" يستطلع رئاسة المملكة لأعمال الدورة الـ 69 للجنة وضع المرأة في الأمم المتحدة

الحاجة إلى حلول جذرية

يشكل التعاون الدولي جزءاً أساسياً في مواجهة التحديات البيئية والاجتماعية المتزايدة، حيث إن التغيرات المناخية والتدهور البيئي لا تعرف حدوداً جغرافية، وبالتالي تتطلب استجابة منسقة بين الدول. في هذا السياق، يأتي “كوب 16” الرياض كمنصة مهمة لتعزيز الشراكات الدولية، من خلال تشجيع تبادل المعرفة والتكنولوجيا بين الدول المتقدمة والنامية. ووفقاً لتقرير المنتدى الاقتصادي العالمي، يمكن أن تساعد الشراكات العالمية في تحقيق تقدم كبير في مجال مواجهة التغيرات المناخية، لتحسين استجابة العالم لتحديات البيئة والمجتمعات المحلية. وعلى سبيل المثال، تمكنت بعض الدول من تحسين قدرتها على مواجهة الجفاف والتصحر من خلال التعاون مع دول أخرى لتبادل الخبرات وتطبيق الحلول المستدامة.

ويلعب الابتكار والتكنولوجيا المتقدمة دوراً حاسماً في مواجهة التحديات البيئية والاجتماعية، خاصة فيما يتعلق بمراقبة التغيرات المناخية وتقديم حلول مبتكرة لمكافحة التصحر وإدارة الموارد الطبيعية. ويمكن الاستعانة بتقنيات الذكاء الاصطناعي في تحليل البيانات الضخمة والتنبؤ بالأنماط المناخية لاتخاذ قرارات مدروسة في إدارة الموارد. وهناك أيضاً تقنيات الاستشعار عن بعد، مثل الأقمار الصناعية والطائرات المسيّرة التي يمكن استخدامها في أغراض مراقبة الأراضي المتدهورة، وتتبع حركة التصحر، ورصد التغيرات في جودة المياه. ووفقاً لدراسة من وكالة الفضاء الأوروبية، يمكن لهذه التقنيات أن تلعب دوراً جوهرياً في تحسين استجابة الحكومات والمنظمات الدولية للتغيرات المناخية، وتقديم حلول فعّالة لتحسين كفاءة استخدام الموارد الطبيعية. علاوة على ذلك، تعتبر هذه التقنيات مفيدة للغاية في تحسين استراتيجيات الزراعة المستدامة، وتطوير أنظمة ري ذكية، ما يساعد في تقليل التأثيرات السلبية للتصحر وضمان استدامة الموارد للأجيال القادمة.

ويلعب المجتمع المدني والمنظمات غير الحكومية دوراً محورياً في مواجهة التحديات البيئية والتكيف مع التغيرات المناخية، حيث تُعد هذه الجهات بمثابة حلقة وصل بين السياسات الدولية والواقع المحلي. ويمكن للمجتمعات المحلية الاشتراك في تنفيذ برامج التوعية البيئية، وتعزيز سلوكيات التكيف مع التغيرات المناخية من خلال مبادرات مبتكرة في مجالات مثل إدارة المياه، والحفاظ على التنوع البيولوجي، والحد من التلوث. وأكد تقرير صادر عن الصندوق العالمي للطبيعة، أن المنظمات غير الحكومية تمثل قوة دافعة في نشر الوعي وتنفيذ مشاريع مبتكرة، مثل تقنيات الزراعة المستدامة وبرامج إعادة التشجير، التي تُسهم في تعزيز قدرة المجتمعات على التكيف مع الظروف البيئية المتغيرة. وفي “كوب 16” الرياض، يتم التركيز في المنطقة الخضراء تحديداً على تعزيز الشراكات مع المجتمع المدني والمنظمات المحلية لتنفيذ الحلول المستدامة على الأرض، لتحقيق أهداف المؤتمر، وذلك من خلال تكامل الجهود بين جميع الأطراف الفاعلة على الصعيدين المحلي والدولي.

اقراء ايضا  طرطوس.. "الملك سلمان للإغاثة" يجري 54 جراحة ضمن المشروع الطبي التطوعي

ختاماً، يتضح أن التصحر وتدهور الأراضي وأزمة المياه تعد من أبرز القضايا التي تهدد استدامة المجتمعات المحلية على المستوى العالمي. ومع تزايد تأثير التغيرات المناخية، أصبح من الضروري تبني حلول مبتكرة تركز على التعاون الدولي، ودعم المجتمعات المحلية، وتوظيف التكنولوجيا المتقدمة لمواجهة هذه التحديات. ولتعزيز الاستجابة المشتركة لهذه الأزمات يجب التوصل إلى شراكات عالمية، في حين أصبح دور الابتكار في تقديم حلول مستدامة أهمّ من أي وقت مضى. ومن جهة أخرى، تعدّ المشاركة الفعالة للمجتمع المدني والمنظمات غير الحكومية في تنفيذ برامج التوعية والتكيف مع التغيرات المناخية خطوة حاسمة لتحقيق أهداف “كوب 16” الرياض المحلية والدولية.

إن التحديات البيئية التي تواجه العالم تتطلب استجابة منسقة وشاملة، تستند إلى التعاون الفعّال بين الحكومات والقطاع الخاص والمجتمع المدني. ومن خلال التركيز على استدامة الموارد الطبيعية، وتوفير حلول للتخفيف من آثار التصحر والجفاف، يمكننا ضمان مستقبل أكثر استقراراً للأجيال القادمة. ويعتبر “كوب 16” الرياض فرصة تاريخية للعمل الجماعي نحو عالم أفضل، ويجب أن نلتزم جميعاً بتحقيق أهدافه الطموحة من أجل ضمان بيئة صحية ومستدامة للجميع.


تحدّيات ملحّة تفرض نفسها على موائد النقاش خلال “كوب 16” الرياض المصدر:

زر الذهاب إلى الأعلى
إنضم لقناتنا على تيليجرام