تصاعد حدة التوتر في طرابلس عقب تحشيدات مسلحة

تزامناً مع انطلاق عملية الاقتراع المؤجلة من المرحلة الثانية لانتخابات المجالس البلدية في ليبيا، اليوم السبت، تصاعدت حدة التوتر الأمني في العاصمة طرابلس، رغم تأكيد وزارة الداخلية بحكومة «الوحدة» المؤقتة استمرار خطتها المشتركة لتأمين طرابلس، ومنع انزلاقها إلى مواجهة جديدة، وسط تباين بين مجلسي «الأعلى للدولة» و«النواب» حول إحاطة المبعوثة الأممية، هانا تيتيه، أمام مجلس الأمن الدولي.
وشهدت العاصمة طرابلس، منذ مساء الجمعة، حالة من التوتر الأمني، عقب تحشيد آليات مسلحة تابعة لجهاز الأمن العام في منطقة السراج غرب المدينة، حيث تمركزت وحدات أمنية في شارعي الثلاجات والبغدادي، إثر خلاف نشب على خلفية استيلاء مجموعة مسلحة من مدينة الزاوية على سيارة مصفحة تابعة للجهاز، حسب ما أكد شهود عيان، ووسائل إعلام محلية.
ونفى مصدر في كتيبة «رحبة الدروع» أن يكون الاستعراض العسكري، الذي قامت به مجموعته «احتفالاً بذكرى التحرير» موجّهاً ضد أي طرف، وأكد أن ما يُتداول حول استهداف جهاز الردع «عارٍ عن الصحة». وقال موضحاً: «نرفض أي محاولة تجر العاصمة عامة، ومناطقنا خاصة، إلى حرب جديدة»، داعياً إلى تفويت الفرصة على من وصفهم بـ«المتربصين الذين يحصون أيامهم الأخيرة».
من جانبها، أكدت وزارة الداخلية بحكومة «الوحدة» استمرار تنفيذ الخطة الأمنية المشتركة، الصادرة عن مديرية أمن طرابلس، عبر تكثيف انتشار الدوريات والتمركزات الأمنية في مختلف الشوارع والميادين، بالتنسيق بين الوحدات والإدارات المختصة. وأوضحت الوزارة أن هذه الإجراءات تأتي في إطار «فرض الأمن والاستقرار، وضمان سلامة المواطنين، وحماية الممتلكات العامة والخاصة»، مؤكدة جاهزية أجهزتها لمواجهة أي تهديد أمني، والحيلولة دون انزلاق العاصمة إلى مواجهات جديدة.
في غضون ذلك، زار رئيس «المفوضية العليا للانتخابات»، عماد السايح، مكتب الإدارة الانتخابية الزاوية، وعدداً من مراكز الاقتراع رفقة عدد من المسؤولين الأمنيين. وشملت الزيارة مكاتب ومراكز الاقتراع في 7 بلديات، تضم 118 مركزاً انتخابياً، وتقع في منطقة الساحل الغربي للبلاد، التي انطلقت بها عملية الاقتراع بعد تأجيلها الأسبوع الماضي، جراء الاعتداء الذي تعرض له مكتب الزاوية أخيراً.
وأكد السايح حرص «المفوضية» على ضمان حقوق الناخبين والمرشحين، وتجسيد التداول السلمي للسلطة عبر صناديق الاقتراع، بعيداً عن العنف والاعتداءات، مشيداً بجهود موظفي المفوضية والأهالي والأعيان في تذليل الصعاب، ودعم هذا الاستحقاق الوطني.
وكان السايح قد أعلن خلال مؤتمر صحافي، السبت، بحضور ممثلين عن بعثة الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي وعدد من البعثات الدبلوماسية، النتائج الأولية للمرحلة الثانية من انتخابات المجالس البلدية (المجموعة الثانية)، وأكد استئناف عملية الاقتراع في البلديات، التي تأجلت فيها بسبب الاعتداءات، استجابة لمطالبات المواطنين بحقهم في التعبير الديمقراطي. وأوضح أن إجمالي عدد المقترعين في 26 بلدية بلغ أكثر من 165 ألف ناخب، من أصل 228 ألف مسجلين، وذلك بنسبة مشاركة بلغت 72.4 في المائة، واصفاً ذلك بأنه «مؤشر إيجابي على رغبة الليبيين في اختيار ممثليهم محلياً».
وبعدما طالب بضرورة استشارة المفوضية في التفاصيل الفنية، التي ستتضمنها التعديلات المستهدفة للقوانين الانتخابية بشأن انتخاب مجلس الأمة ورئيس الدولة، دعا السايح مجلس النواب للاضطلاع بدوره في معالجة قصور التشريعات، ذات العلاقة بتنظيم الإدارة المحلية، لافتاً إلى عدم قدرة القانون 59 لعام 2012 المتعلق بالإدارة المحلية على مواكبة النتائج، التي تسبب فيها إسهاب الحكومات المتعاقبة في إصدار القرارات المنشئة للبلديات، دون أي قيود أو معايير.
وندد السايح بالهجمات التي استهدفت مكاتب المفوضية في الزاوية وزليتن والساحل الغربي، معتبراً أنها كشفت عن «الوجه الحقيقي لقوى الفساد والغدر»، مؤكداً أن هذه الأفعال لن تثني المفوضية عن أداء رسالتها الوطنية. ودعا الحكومة لمراجعة قرارات إيقاف العملية الانتخابية في بعض البلديات، وتمكين المفوضية من استكمال مهامها، كما أثنى السايح على إشادة رئيسة بعثة للأمم المتحدة بنجاح انتخابات المجالس البلدية، مؤكداً استعداد المفوضية الكامل للاستحقاقات الرئاسية والنيابية المقبلة، وموجهاً الشكر للمؤسسات الأمنية والإعلامية، والمجتمع المدني على مساهماتهم في إنجاح العملية الانتخابية.
من جهة أخرى، أعرب المجلس الأعلى للدولة، برئاسة محمد تكالة، عن استغرابه لما ورد في إحاطة تيتيه لمجلس الأمن الدولي أخيراً، معتبراً أن ما تضمنته يتناقض مع مساعي الاستقرار، والدفع بالعملية السياسية في البلاد. وأكد بيان للمجلس، مساء الجمعة، أهمية احترام «خريطة الطريق» المتفق عليها، مشدداً على ضرورة التزام المجتمع الدولي بدعم المسار الانتخابي، والوصول إلى الاستحقاقات الوطنية، التي يتطلع إليها الشعب الليبي بكل مكوناته.
وجدد المجلس تمسكه بمسؤولياته الوطنية، ودوره في إنجاح العملية السياسية، وصولاً إلى تحقيق الاستقرار والسلام في ليبيا، لافتاً إلى أن ما ورد في الإحاطة لا يعكس حقيقة الوضع على الأرض، ولا الجهود المبذولة داخلياً لتقريب وجهات النظر. ودعا جميع القوى الوطنية والسياسية والشبابية إلى تغليب مصلحة البلاد العليا، والابتعاد عن خطاب الفُرقة والخلافات، بما يضمن العبور نحو ليبيا آمنة مستقرة.
في المقابل، رحب النائب الثاني لرئيس مجلس النواب، مصباح دومة، بما جاء في إحاطة تيتيه بشكل عام، وقال فى تصريح مقتضب إنه رغم مما وصفه بـ«الضبابية وعدم الوضوح»، خصوصاً فيما يتعلق بالمسار السياسي، وعدم وجود خطة زمنية، «سنعلق الآمال والأماني عليها، وننتظر 22 من أكتوبر (تشرين الأول) المقبل»، على حد قوله.
بدورها، أعلنت بريطانيا في بيان لوزارة خارجيتها، مساء الجمعة، عن ترحيبها بخريطة الطريق، التي أعلنت عنها تيتيه لإحراز تقدم في العملية السياسية في ليبيا.
تصاعد حدة التوتر في طرابلس عقب تحشيدات مسلحة المصدر: