رغم وقف إطلاق النار… مزيج من الأمل والشكوك يراود سكان غزة

عودة مئات الآلاف إلى مدينة غزة وشمالها و«حماس» تنشر عناصرها
ما إن بزغت شمس يوم الجمعة، حتى تدفق الآلاف من سكان مدينة غزة وشمالها إلى تبة النويري ومحيطها، على شارع الرشيد الساحلي، أملاً في العودة إلى مناطق سكنهم بعد فترة نزوح قاربت الشهر الواحد أو أقل قليلاً لبعضهم، إلا أن القوات الإسرائيلية منعتهم، قبل أن تنسحب عند الساعة الثانية عشرة ظهراً، ليتدفق من هذه الطريق مئات الآلاف سيراً على الأقدام، وعبر مركبات باتجاه مناطق سكنهم.
وأعلن الجيش الإسرائيلي دخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ عند الساعة الثانية عشرة ظهراً بتوقيت فلسطين والسعودية، في وقت كان يفترض أن يبدأ قبل ذلك في ظل أن الحكومة الإسرائيلية صوتت في ساعة مبكرة من ليلة الجمعة على اتفاق وقف إطلاق النار الذي تم التوصل إليه.
عودة النازحين
وشعر سكان مدينة غزة وشمالها بفرحة عارمة بعودتهم رغم الدمار الذي وثقته بعض مقاطع الفيديو التي نُشرت من داخل المدينة من قِبل بعض الصحافيين والنشطاء والمواطنين ممن تبقوا في المدينة.
وقالت المواطنة صفاء الحناوي (41 عاماً)، من سكان مخيم الشاطئ غرب مدينة غزة، إنها منذ ساعة باكرة تقف عند تبة النويري بالقرب من محور نتساريم من جهة شارع الرشيد، لتتمكن من العودة إلى منزلها الذي لا تعلم إن كان دمر بالكامل أو ما زال مدمراً جزئياً كما تركته قبل نزوحها منذ نحو شهر.
ولم تُخفِ الحناوي سعادتها بعودتها إلى ما قالت عنها «روح حياتها»، في إشارة منها إلى مدينة غزة، ومنطقة سكنها في مخيم الشاطئ، مشيرةً إلى أنها ستجلب خيمتها من مواصي خان يونس إلى المكان لتعيش فيها في حال وجدت منزلها قد دمر بالكامل، ولكنها لا تريد ترك المنطقة مجدداً.
وعند إعلان الجيش الإسرائيلي السماح بحركة المواطنين وعودتهم إلى شمال قطاع غزة، وضع المواطن ياسين البراوي، من سكان حي النصر بمدينة غزة، أمتعة منزله التي نزح بها مؤخراً من المدينة إلى جنوب القطاع، في مركبته، وعاد بها مجدداً فوراً على منزله بعدما تأكد أنه ما زال قائماً رغم تعرضه لأضرار.
وقال البراوي لـ«الشرق الأوسط»: «سأعود إلى ما تبقى من منزلي وأفضل العيش فيه مدمراً جزئياً على أن أعيش في خيمة داخل أرض زراعية لا يكاد يتوفر فيها شيء من مقومات الحياة»، مشيراً إلى أنه استعجل عودته وعائلته إلى منزله لأنه لم يصدق لوهلة أن العودة ستكون حقيقية أو سريعة على الأقل، وليس كما في المرة الأولى من النزوح والتي استمرت لأكثر من عام ونصف العام.
وسبق ذلك بساعات أن تفقد ما تبقى من سكان في مدينة غزة ويقدر عددهم بنحو 130 ألف نسمة، ما تبقى من منازل، وما لحق من دمار في الأجزاء التي عملت فيها القوات الإسرائيلية خلال الأسابيع الماضية داخل المدينة.
الغزي الشاب نور ياغي (37 عاماً)، من سكان حي الشيخ رضوان شمال مدينة غزة، والذي بقي في منطقة ميناء غزة جنوب غربي المدينة في الأسابيع القليلة الماضية، استطاع الوصول في ساعة مبكرة من صباح الجمعة، إلى منطقة سكنه، ليفاجأ بأن الدمار الذي حل بها مهول، كما وصفه.
وقال ياغي لـ«الشرق الأوسط»: «صدمني الدمار الذي حل في منزلنا والمنازل المجاورة والمناطق المختلفة… كل شيء أصبح عبارة عن كومة من الركام ليس أكثر من ذلك، ولا يمكن أن يوصف بغير ذلك».
وأشار إلى أن حي الشيخ رضوان قد دمر أكثر من 70 في المائة منه، بفعل تفجير العربات العسكرية المفخخة والقصف الجوي الذي طال تلك المنازل والبنايات السكنية، في عملية تدمير ممنهجة تعمّد الاحتلال استخدامها منذ بداية عمليته بغزة، رغم أنه فقط مر عليها أكثر من شهر بقليل تقريباً.
بينما قال الشاب موسى النجار، من سكان مخيم الشاطئ غرب مدينة غزة، الذي تعرض لدمار كبير، إن مربعات سكنية كاملة في المخيم تعرضت لتدمير ممنهج، مشيراً إلى أن الدمار كبير ويحتاج لأشهر من أجل إزالة الأنقاض من الطرق الرئيسية فقط. وأضاف: «من خرج من المخيم نازحاً إلى جنوب القطاع، فلن يستطيع التعرف على منزله من شدة الدمار».
دمار كبير وانتشال جثامين
وخلال عملياتها البرية في مدينة غزة، كثفت إسرائيل فعلياً من استخدام العربات العسكرية المفخخة التي تحمل أطناناً من المتفجرات، ما يتسبب في تدمير هائل بالمنازل على بعد مئات الأمتار من مكان انفجار تلك العربات، إلى جانب القصف الجوي الذي لا يتوقف ويهدف لتدمير المنازل.
وتقدر بلدية مدينة غزة أن الدمار الذي لحق بالمدينة وصل إلى أكثر من 85 في المائة.
بينما قالت مصادر طبية إنه تم انتشال أكثر من 73 جثماناً لفلسطينيين قتلوا في المدينة وتركوا في شوارع ومحيط منازل بعدما قتلتهم القوات الإسرائيلية، فيما عثر على ما لا يقل عن 20 جثماناً في خان يونس جنوب القطاع، التي انسحبت من بعض أجزائها.
انتشار «حماس» وتحذيرات إسرائيلية
ولوحظ بدء انتشار قوات من عناصر أمن «حماس» في بعض المناطق والمحاور وسط وجنوب القطاع، وكذلك بعض أطراف مدينة غزة.
وأكدت وزارة الداخلية في قطاع غزة أن أجهزتها الأمنية ستبدأ الانتشار في المناطق التي انسحب منها الجيش الإسرائيلي بجميع محافظات القطاع، وأنها ستعمل بشكل حثيث على استعادة النظام ومعالجة مظاهر الفوضى التي سعى الاحتلال لنشرها على مدار عامين، وفق نص بيانها.
وحذر الجيش الإسرائيلي سكان غزة من أن عدداً من مناطق القطاع ما زال «في غاية الخطورة»، مشيراً إلى أن الاقتراب من مناطق بيت حانون، وبيت لاهيا، والشجاعية ومناطق تمركز القوات في غاية الخطورة. وقال: «وفي منطقة جنوب القطاع من الخطر جداً الاقتراب إلى منطقة معبر رفح، ومنطقة محور فيلادلفيا، وجميع مناطق تمركز القوات في خان يونس».
فيما قال المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي إيفي ديفرين، في مؤتمر صحافي، إن «حماس» لم تعد كما كانت عند اندلاع الحرب قبل عامين، و«إنها هُزمت في كل مكان حاربناها فيه».
وحث المتحدث سكان غزة على تجنب دخول المناطق الخاضعة لسيطرة القوات الإسرائيلية. وقال: «أدعو سكان غزة إلى تجنب دخول المناطق الخاضعة لسيطرة جيش الدفاع الإسرائيلي. التزموا بالاتفاق حتى تضمنوا سلامتكم».
أرقام
في السياق، أصدر المكتب الإعلامي الحكومي التابع لحكومة «حماس»، أرقاماً وإحصائيات، حول الحرب على قطاع غزة مع إعلان وقف إطلاق النار، متهماً إسرائيل بارتكاب «جريمة إبادة جماعية مكتملة الأرقام وفق تعريفات القانون الدولي»، مستخدماً خلالها الغذاء والماء والدواء كسلاح حرب، وهدم البنية التحتية المدنية بنسبة 90 في المائة، والسيطرة على أكثر من 80 في المائة من مساحة القطاع بالاجتياح والنار والتهجير القسري.
وبيّن أن الاحتلال الإسرائيلي ألقى أكثر من 200 ألف طن من المتفجرات على قطاع غزة، وقصف منطقة المواصي أكثر من 150 مرة رغم زعمه أنها كانت «منطقة إنسانية آمنة»، ليؤكد أن استهداف المدنيين كان سياسةً ممنهجة لا خطأً عارضاً. كما قال المكتب.
وأشار إلى أنه بلغ عدد القتلى والمفقودين نحو 77 ألف شهيدٍ ومفقود، وصل منهم إلى المستشفيات أكثر من 67 ألفاً، بينما لا يزال 9,500 فلسطيني في عداد المفقودين. ومن بين الضحايا أكثر من 20 ألف طفل و12.5 ألف امرأة، بينهم 9000 امرأة وأكثر من 22.4 ألف أب، إضافة إلى أكثر من ألف طفلٍ لم يتجاوزوا العام الأول من عمرهم، و450 رضيعاً وُلدوا وقتلوا خلال الحرب.
وأشار إلى أن أكثر من 39 ألف أسرة ارتكبت بحقها مجازر، بينها آلاف الأسر أُبيدت بالكامل أو لم ينجُ منها سوى فردٍ واحد، ليصبح أكثر من 55 في المائة من الضحايا هم من الأطفال والنساء والمسنين. وفق الإحصائيات.
وذكر أن 1670 من أفراد الطواقم الطبية، و140 من الدفاع المدني، و254 صحافياً، وأكثر من ألف من الدفاع المدني ورجال الشرطة المدنية، قتلوا جراء استهدافهم خلال الحرب.
أما على صعيد الجرحى والمصابين، فقد بلغ عددهم قرابة 170 ألفاً، بينهم آلاف الجرحى بحاجة للتأهيل والعلاج في الخارج، إضافة إلى مئات حالات البتر، والشلل، وفقدان البصر. كما لا يزال أكثر من 6700 معتقل فلسطيني يتعرضون للتعذيب الشديد في سجون الاحتلال، بينهم طواقم طبية وصحافية.
ووفقاً للمكتب الإعلامي الحكومي بغزة، فقد تعرض القطاع الصحي إلى انهيار كلي بعد تدمير وإخراج 38 مستشفى وعشرات المراكز الصحية وسيارات الإسعاف، وتعرضت خدمات الرعاية الصحية لأكثر من 788 هجوماً، كما دمّر الاحتلال 670 مدرسة و165 جامعة ومؤسسة تعليمية، وقتل 13.5 ألف طالب وطالبة و830 معلماً و193 عالماً وأكاديمياً.
وفي استهداف دور العبادة، دمر الاحتلال 835 مسجداً كلياً، وعشرات المساجد جزئياً، واعتدى على 3 كنائس، ودمر 40 مقبرة وسرق أكثر من 2450 جثماناً، وأقام 7 مقابر جماعية داخل المستشفيات.
وعلى الصعيد الإسكاني، دمر الاحتلال قرابة 300 ألف وحدة سكنية كلياً و200 ألف أخرى بشكل بليغ أو جزئي، ما أدى إلى تهجير نحو مليوني إنسان قسراً، وتكدسهم في خيام مهترئة غير صالحة للعيش، عاشوا فيها ظروفاً قاسية إلى أبعد الحدود.
أما في ملف التجويع، فقد أغلق الاحتلال معابر القطاع لأكثر من 600 يوم، ومنع دخول مئات آلاف الشاحنات، واستهدف عشرات تكيات الطعام ومراكز توزيع الغذاء، ما أدى إلى مقتل أكثر من 460 مدنياً بسبب الجوع وسوء التغذية، وأكثر من 2600 من المجوعين عند مراكز المساعدات الإنسانية.
وبلغت الخسائر الأولية المباشرة لجميع القطاعات الحيوية أكثر من 70 مليار دولار، وهو ما يعكس حجم الدمار الشامل والممنهج الذي تعرض له قطاع غزة على مدار عامين كاملين من الإبادة الجماعية.
رغم وقف إطلاق النار… مزيج من الأمل والشكوك يراود سكان غزة المصدر: