اخر الاخبار

شهادة مناصر أممي: خذلنا الأشخاص ذوي الإعاقة في الحروب ويجب سرد القصص التي تشعرنا بعدم الارتياح

السيد دولي مصور وثائقي وكاتب وراوي قصص وطاه، والرئيس التنفيذي ومؤسس مؤسسة “إرث الحرب”، وهي مؤسسة خيرية تدعم المجتمعات والأفراد في إعادة بناء حياتهم بعد النزاعات.

كان أول شخص يتولى هذا الدور، وقد خدم فيه لثلاث سنوات. ومع ذلك، أكد أنه لم تتح له الفرصة ليكون المناصر العالمي الذي كان يطمح إليه، إذ ظلت أبواب الدول مغلقة، وظلت القصص التي كان يرغب بشدة في مشاركتها طي الكتمان.

دولي، وهو من ذوي الإعاقة، تحدث عن ذلك في مؤتمر صحفي بالمقر الدائم للأمم المتحدة. ولإيصال الأصوات التي لا تزال غير مسموعة، قررنا منحه المنصة ليروي القصة بنفسه. المقال التالي عبارة عن اقتباسات مباشرة بلسانه من مؤتمره الصحفي.

مناصر عالمي للأمم المتحدة للأشخاص ذوي الإعاقة في حالات النزاع وبناء السلام، غيلز دولي.

“بعد ثلاث سنوات في هذا الدور كمناصر عالمي، أشعر أنني فشلتُ، وأن النظام فشل.

كمناصر، وظيفتي هي مشاركة القصص من الخطوط الأمامية – حيث أعمل مصورا في مناطق الأزمات الإنسانية والحروب – والتي للأسف لا تزال قصصا غير مسموعة. 

ومع ذلك، في كثير من الأحيان، كشخص من ذوي الإعاقة، يطلب مني إلقاء محاضرة ملهمة، لكن وظيفتي ليست إلهام الآخرين. وظيفتي هي مشاركة هذه القصص لأن الواقع على الأرض للأشخاص ذوي الإعاقة لم يتغير. الأشخاص الضعفاء والمهمشون في المجتمعات هم من يتركون خلف الركب في الأزمات.

أشعر أن دوري هنا لم يحقق الكثير لأن الفرصة لم تُتح لي لأكون مناصرا حقيقيا. لذا قررت أن أشارككم ثلاث قصص تعرفت عليها خلال سنواتي الثلاث كمناصر.

في كثير من الأحيان، يُقدم الأشخاص ذوو الإعاقة على أنهم مصدر إلهام، وأشخاص مرنون، وهم كذلك بالفعل. لكن هذا يعني أن قصص أولئك الذين تركوا خلف الركب، والضعفاء حقا، غالبا ما يتم تجاهلها أو نسيانها. لا يمكننا إضفاء طابع رومانسي على فكرة الإعاقة.

اقراء ايضا  تفعيل التعاون الجامعي من روسيا إلى دبي

“كيف نهرب؟”

القصة الأولى كانت شخصية جدا بالنسبة لي، وهي عن صبي صغير يدعى عمرو في غزة، فقد ساقه برصاص قناص إسرائيلي. تلقى العلاج في تركيا، حيث مر بوقت عصيب، حتى إنه تعرض للضرب مرة على يد ممرضة.

عاد إلى غزة، مصابا بصدمة نفسية جراء تجربته، وشعر بالتهميش، واختبأ حرفيا في شقة والديه. لم يرد الخروج لأنه كان يشعر بأن الناس سيحدقون به.

عندما التقيت به، لم يكن قد غادر شقته منذ عامين. طلب ​​مني والده تشجيعه على المغادرة. لذلك، زرته عدة مرات. أنا طاه وأحب الطبخ مع الناس، وهي دائما أول طريقة أبني بها علاقاتي. تناولنا الطعام معا، وقلت له: “لِمَ لا نخرج لنتناول القهوة في مكان ما على شاطئ غزة؟”

لم يُرِد ذلك لأنه ظنّ أن الجميع سيحدقون به، فأشرت له أنني فقدت ثلاثة أطراف، وقلتُ إنهم سينظرون إليّ، لا إليك. ضحكنا، وفي النهاية خرج.

أحيانا، هذه اللفتات الصغيرة من اللطف والوقت كفيلة بتغيير حياة الناس.

لن أنسى، الرسائل التي تلقيتها من العائلة بعد 7 تشرين الأول/أكتوبر. الأشخاص ذوو الإعاقة، في كل أزمة، هم الأكثر عرضة للخطر.

سكان الطوابق العليا من المباني السكنية، لا يستطيعون الإخلاء عندما ينقطع التيار الكهربائي. وعندما تُطلق التحذيرات بالصوت، لا تصل إلى الصم. عندما يكون الناس على الكراسي المتحركة والأنقاض في الشوارع، يفقدون إمكانية للوصول.

لا أعرف ماذا حدث لتلك العائلة. آخر الرسائل التي تلقيتها منهم كانت: “كيف لنا أن نهرب؟”

أُصيبت نوالي بشلل الأطفال في طفولتها، واضطرت للزحف من دارفور إلى تشاد بحثًا عن الأمان بعد أن كسرت الميليشيات كرسيها المتحرك.

أُصيبت نوالي بشلل الأطفال في طفولتها، واضطرت للزحف من دارفور إلى تشاد بحثًا عن الأمان بعد أن كسرت الميليشيات كرسيها المتحرك.

“هذا هو الفشل”

قبل عامين، زرت لاجئين سودانيين في تشاد، معظمهم من دارفور، والتقيت امرأة تدعى نوالي مصابة بشلل الأطفال. كانت تستخدم كرسيا متحركا آليا في السودان، وكانت عضوا فاعلا جدا في مجتمعها، كمعلمة وناشطة. عندما هوجمت قريتها، حطموا كرسيها المتحرك. اضطرت حرفيا للزحف إلى بر الأمان في تشاد.

اقراء ايضا  أرقام وعناوين مكاتب استخراج فيزا الصين من مصر

عندما التقيت بها، كانت في خيمة بدون كرسي متحرك. عندما تحدثت مع مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين عن سبب عدم تسجيلها في القوائم لتحصل على الأدوات المساعدة، قيل لي إن السبب هو عدم وجود خبراء لتحديد من هم ذوو الإعاقة عند وصولهم. قلت لهم إن وجود شخص يجر نفسه بيديه أمامهم ليتحرك على الأرض، ربما لا يحتاج إلى خبير ليقرر ما إذا كان من ذوي الإعاقة.

الخلاصة هي أن هذه المرأة الرائعة، التي عاشت حياة مستقلة تماما، اضطرت للزحف لاستخدام المراحيض، وهو أمر ليس مهينا فحسب، بل جعلها أيضا عرضة للعنف الجنسي وغيره من الاعتداءات. هذا هو الفشل.

“أطعمناها الحلوى”

جوليا، البالغة من العمر 32 عاما، مصابة بشلل دماغي، وهي طريحة الفراش. تُركت وحيدة بعد أن اعتقلت القوات الروسية والديها في أوكرانيا.

جوليا، البالغة من العمر 32 عاما، مصابة بشلل دماغي، وهي طريحة الفراش. تُركت وحيدة بعد أن اعتقلت القوات الروسية والديها في أوكرانيا.

القصة الثالثة من أوكرانيا. جوليا شابة مصابة بالشلل الدماغي. هي عاجزة عن التواصل وطريحة الفراش، وتحتاج إلى دعم كامل من عائلتها على مدار الساعة. احتجز الروس والديها كرهائن، وعذبوهما. ظلت الأم تقول إنها مضطرة للعودة إلى المنزل لأن ابنتها لا تستطيع إطعام نفسها، ثم أطلق سراحها في النهاية.

عندما عادت إلى المنزل، سخر منها الجنود خارج منزلها، وقالوا لها: “لا داعي للقلق، اعتنينا بها وأطعمناها الحلوى”.

دخلت إلى غرفة نوم ابنتها – التي لا تستطيع ارتداء ملابسها بنفسها – لتجدها عارية على السرير ومحاطة بأغلفة الحلوى.

منذ ذلك الحين، تساقطت أسنانها وشعرها. لا تستطيع التعبير عما حدث، لكن داخليا، جعلها التوتر مريضة جسديا. هذا هو واقع الأشخاص ذوي الإعاقة في حالات النزاع.

أبواب مغلقة

لا يمكننا أن نتخلى عن ذوي الإعاقة وننسى أمرهم. خلال السنوات الثلاث التي قضيتها في هذا الدور، حاولت مرارا وتكرارا تنظيم اجتماعات مع بعثات الدول لمشاركة هذه القصص، لكن الباب ظل مغلقا مرارا وتكرارا. 

فما الهدف من دوري هنا؟ بصراحة، لا أعرف، فلديّ القصص والخبرات. أردت أن أكون مدافعا عن حقوق ذوي الإعاقة. لكن إذا بقيت الأبواب موصدة، فلن أتمكن من أداء دوري.

كسر الحواجز

أنا شخص براغماتي (عملي)، وأعتقد أنه لا يمكننا تمكين الآخرين، بل التمكين يجب أن ينبع من الداخل.

اقراء ايضا  بنك التنمية يربط صرف تمويل التعليم بنتائج الطالب الأكاديمية

مررت بتجربتي الخاصة عندما اضطررت لإعادة بناء حياتي بعد قضاء عام في المستشفى وخضوعي لـ 37 عملية جراحية. عندما بدأت باستخدام الأرجل الاصطناعية، لم يمكنني أحد عندما كانت ساقاي تنزفان وتؤلمانني. لكنني حظيت بأفضل شبكة دعم، وأفضل ميسرين مكنّوني من تمكين نفسي.

علينا أن نتوقف عن النظر إلى ذوي الإعاقة كضحايا وأن نأسف عليهم. أعتقد أنه يجب أن ننظر إليهم كأصول، لأن بعضا من أكثر الأشخاص مرونة في سوق العمل هم أشخاص ذوو إعاقة، الذين عانوا طوال حياتهم وواجهوا التحديات.

بدلا من النظر إليهم على أنهم المشكلة، يجب علينا دائما النظر إلى الحواجز المجتمعية – بما في ذلك الدخل وإمكانية الوصول إلى التكنولوجيا التكيفية – التي تمنعهم من تحقيق أهدافهم. علينا أن نكسر هذه الحواجز ونسمح لهم بتمكين أنفسهم.

أطراف اصطناعية معروضة في مقر الأمم المتحدة كجزء من معرض يسلط الضوء على الابتكارات التي تدعم الأشخاص ذوي الإعاقة وتعزز إعادة التأهيل الشاملة.

أطراف اصطناعية معروضة في مقر الأمم المتحدة كجزء من معرض يسلط الضوء على الابتكارات التي تدعم الأشخاص ذوي الإعاقة وتعزز إعادة التأهيل الشاملة.

كما يجب أن نتوقف عن النظر إلى الأشخاص ذوي الإعاقة كمصدر إلهام. فالأشخاص الذين يقومون بأشياء ملهمة قد هدمت حواجزهم. القصص التي نسمعها هي فقط تلك التي نشعر بالراحة عند الاستماع إليها. للأسف، القصص التي تشعرنا بعدم الارتياح هي التي يجب سردها.

لا أعتقد أن هناك من سيتبعني في هذا المنصب، لكنني أعتقد أن على أي شخص يشغله أن يبذل قصارى جهده ليكون مناصرا لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، لا أن يُستخدم كمصدر إلهام. لسنا هنا مدافعين عن حقوق الآخرين لنتحدث عن قصة حياتنا، أو لنُشعر الآخرين بالرضا تجاه حياتهم.

كثيرا ما يقال لي، كمصور وكاتب، إنني أُعطي صوتا للآخرين. أنا لا أُعطي صوتا لأحد. مهمتي ببساطة هي إيصال الأصوات الموجودة بالفعل، تلك التي لم تُسمع. أيا كان من يتولى هذا الدور، فسيكون عليه أن يكافح بجهد أكبر مما بذلته.”


شهادة مناصر أممي: خذلنا الأشخاص ذوي الإعاقة في الحروب ويجب سرد القصص التي تشعرنا بعدم الارتياح المصدر:

زر الذهاب إلى الأعلى
إنضم لقناتنا على تيليجرام