صحيفة الشرق الأوسط – ستارمر وترمب يبحثان ملفات التجارة وأوكرانيا وإيران

واشنطن تضغط على روسيا وأوكرانيا وتهددهما بالانسحاب من الوساطة إذا لم تتجاوبا
خلال وجوده في باريس لمجموعة من الاجتماعات التي تمحورت بشكل خاص حول الملف الأوكراني، لم يصدر عن الوفد الأميركي الثلاثي المؤلف من وزير الخارجية ماركو روبيو، والمبعوث الرئاسي ستيف ويتكوف، ونظيره الجنرال كيت كيلوغ، أي تصريح رسمي.
لكن الأول، استغل، صباح الجمعة، فرصة صعوده إلى طائرته المغادرة إلى واشنطن، في مطار بورجيه، القريب من باريس، ليوجه مجموعة رسائل إلى الطرفين المتحاربين (روسيا وأوكرانيا)، ولكن أيضاً إلى الجانب الأوروبي. ورسائل روبيو تضمنت تهديداً واضحاً لموسكو وكييف، عنوانه احتمال تخلي الولايات المتحدة عن وساطتها بعد أن تبين لها أن التوصل إلى وقف جدي لإطلاق النار يتبعه اتفاق سلام، بعكس ما كان يدعيه الرئيس دونالد ترمب، ليس بالأمر السهل، وأن بلاده قد وصلت إلى مفترق طرق، وعليها اتخاذ قرار سريع بشأن ما تنوي القيام به.
وقال روبيو ما حرفيته: «لن نستمر في تلك المحاولة لأسابيع وأشهر دون توقف؛ لذلك نحتاج إلى أن نحدد بسرعة كبيرة حالياً، وأنا أعني في غضون أيام، ما إذا كان الأمر قابلاً للتحقيق في الأسابيع القليلة المقبلة». وأردف قائلاً: «إذا كان هذا هو الحال فنحن مستمرون (في الوساطة)، لكن بخلاف ذلك فإن لدينا أولويات أخرى للتركيز عليها». ومن أجل إعطاء المزيد من الأهمية لتصريحاته، قال: «أعتقد أن الرئيس (ترمب) سيصل على الأرجح إلى لحظة يقول فيها: حسناً، انتهى الأمر».
يتوقع الرئيس ترمب رداً من روسيا بخصوص اتفاق سلام محتمل مع أوكرانيا الأسبوع المقبل. وقال ترمب في مؤتمر صحافي في البيت الأبيض: «سنتلقى منهم أخباراً، قريباً للغاية في الواقع، وسنرى». وتحدث ترمب مجدداً عن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي قائلاً: «لست مسروراً به، ولست مسروراً بأي شخص مشارك». وأضاف عن زيلينسكي: «إنني لا ألومه، لكن ما أقوله هو أنني لا أعتقد أنه أدى عملاً جيداً. حسناً، إنني لست من أشد معجبيه». وأضاف أن الجيش الروسي أكبر بكثير من الجيش الأوكراني.
ويبدو أن خيبة واشنطن مردها إلى عجزها عن إقناع الطرف الروسي بقبول مقترح وقف إطلاق النار الذي قبلته كييف، في حين أن موسكو وضعت جملة من الشروط صعبة التحقيق للسير، واكتفت بالحد الأدنى؛ أي الالتزام بالامتناع المتبادل (مع أوكرانيا) عن قصف البنى التحتية الخاصة بالطاقة.
بيد أن هذا الاتفاق لم يتم احترامه، وواصل كل طرف اتهام الجهة المقابلة بعدم احترامه. كذلك، فإن واشنطن تبدو خائبة من عجزها، رغم الضغوط والتهديدات، عن تحقيق إنجاز الحد الأدنى. والدليل على ذلك أن موسكو لم تتأخر في الرد على روبيو؛ إذ أعلن دمتري بيسكوف، الناطق باسم الرئاسة الروسية، الجمعة، أن «شهر الإحجام (عن استهداف المنشآت النفطية) قد انتهى. وفي الوقت الراهن، لم تصدر أي تعليمات أخرى عن الرئيس بوتين، القائد الأعلى للقوات المسلحة، للاستمرار به». ويدور جدل بين موسكو وكييف حول التاريخ الحقيقي لانطلاق مهلة الثلاثين يوماً؛ إذ ترى الأولى أن تاريخها هو 18 مارس (آذار)، في حين تؤكد الثانية أنها بدأت في 25 من الشهر نفسه.
تعتبر مصادر دبلوماسية أوروبية في باريس أن ما جاء على لسان الوزير روبيو بمثابة «وسيلة ضغط إضافية» على روسيا وأوكرانيا، وهي «تستبعد» أن تعترف واشنطن بفشلها؛ لأن ذلك «سيعد نكسة للدبلوماسية الأميركية على الصعيد الدولي، وللنهج الذي التزم به الرئيس ترمب منذ عودته إلى البيت الأبيض، والذي يمكن أن ينعكس على ملفات أخرى».
واشنطن بحاجة للأوروبيين
المفارقة في تصريحات روبيو المتشائمة تكمن في أمرين: فهي من جهة، تتعارض مع مضمون البيان الصادر عن وزارة الخارجية الأميركية الذي يشير إلى أن واشنطن «عرضت على كل الأطراف الخطوط العريضة لسلام دائم» وليس فقط لوقف إطلاق النار، وأن «التلقّف المشجّع في باريس لإطار العمل الأميركي يظهر أن السلام ممكن إذا أبدى كل الأطراف التزاماً بالتوصل إلى اتفاق ممكن». ومن جهة ثانية، تتعارض مع التقييم الأوروبي الإيجابي لما حصل في باريس.
وكلام روبيو يأتي بعد ساعات فقط على انتهاء جولة ناجحة من المباحثات المكثفة عالية المستوى مع الجانب الأوروبي ممثلاً في الثلاثي الفرنسي – البريطاني – الألماني، وبمشاركة الرئيس إيمانويل ماكرون شخصياً ووزير خارجيته جان نويل بارو، وبحضور ثلاثة من كبار المسؤولين الأوكرانيين (وزيرَي الخارجية والدفاع ومدير ديوان الرئيس زيلينسكي).
فبعد ثلاثة أشهر من تفرد واشنطن بالوساطة في الملف الأوكراني واستبعاد الاتحاد الأوروبي من دورة الاتصالات، بدا واضحاً، الخميس، أن واشنطن غيرت نهجها، وعادت لتجعل الأوروبيين ممثلين بالثلاثي المشار إليه، شركاء يمكن الاعتماد عليهم. وقال روبيو إنه يأمل أن يبقى الأوروبيون منخرطين في المباحثات التي تقودها الولايات المتحدة من أجل إنهاء النزاع في أوكرانيا. وجاء في حرفية ما قاله: «نرغب في أن يبقوا منخرطين… أظن أن المملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا يمكنهم مساعدتنا في دفع العجلة في هذا الإطار للاقتراب من حل. رأيت أن أفكارهم كانت مفيدة وبنّاءة» خلال الاجتماعات التي حصلت الخميس.
استعجل الرئيس ماكرون برد التحية بأحسن منها، فكتب بعد انتهاء الاجتماعات، على منصة «إكس»، أن الخميس كان «يوم التعبئة الدبلوماسية». وإذ شكر الوفدين الأميركي والأوكراني لحضورهما إلى باريس، ولمشاركتهما في «المناقشات المثمرة» في الإليزيه؛ أكد أنه «من الواضح أننا متحدون جميعاً في رغبتنا (بالوصول) إلى السلام، ومنذ البداية دعمنا اقتراح الرئيس ترمب إنهاء الحرب في أوكرانيا في أقرب وقت ممكن؛ ما يدل على الالتزام الأوروبي القوي والاستعداد للعمل عن كثب مع الولايات المتحدة». وحرص ماكرون على تعريف السلام كما يفهمه الأوروبيون بقوله إن المناقشات كانت «إيجابية وبنّاءة حول كيفية تحقيق وقف إطلاق النار والسلام الشامل والدائم». ولتأكيد أهمية محادثات الخميس، أشار ماكرون إلى أنه رغم مشاركة وفد أوكراني رفيع المستوى في المحادثات، فإنه اتصل مرتين بالرئيس زيلينسكي، قبل وبعد الاجتماع المسائي الموسع في قصر الإليزيه، للتنسيق معه ولإطلاعه على ما حصل. ولا شك أن ما كتبه روبيو الجمعة على منصة «إكس»، من شأنه أن يفرح الأوروبيين؛ إذ ذكر أن المحادثات تناولت سبل التوصل إلى سلام عادل ودائم في أوكرانيا، وأنه «حان الوقت لإنهاء الحرب بين روسيا وأوكرانيا». وتوصل المجتمعون في باريس إلى اتفاق يقضي بالاجتماع مجدداً، وهذه المرة في لندن، لمواصلة المحادثات. وأعرب روبيو عن استعداده للمشاركة فيه، إلا أن مصدراً رئاسياً أفاد بأنه سيكون على مستوى المستشارين.
كان تمسك الأوروبيين بالمشاركة في المفاوضات متعدد الأهداف: أولها تحاشي التهميش، وثانيها الدفاع عن المصالح الأوروبية، وعلى رأسها أمن القارة القديمة، وثالثها توفير الدعم للفريق الأوكراني المفاوض، وتجنب تركه وحيداً في وجه الضغوط الأميركية ودعم رؤيته للسلام، والوقوف في وجه طروحات إدارة ترمب كما عبر عنها مبعوثه الخاص ويتكوف، والتي يراها الأوروبيون قريبة جداً من الطروحات الروسية. وبحسب القراءة الفرنسية، فإن تغير نهج الإدارة الأميركية إزاء الأوروبيين لا يمكن فصله عن الصعوبات التي تواجهها واشنطن في وساطتها. وتساءلت المصادر المشار إليها سابقاً عن «الأسباب التي تفسر توقيت عودتها إلى إشراك الأوروبيين، في حين التزمت منذ يناير (كانون الثاني) خط تهميش دورهم وإبقائهم خارج اللعبة».
الحرب «تدور على الأراضي الأوروبية»
ثمة جملة أخرى قالها روبيو تبدو حمّالة أوجه؛ إذ ذكر أن حرب أوكرانيا «تدور على الأراضي الأوروبية». وهذا القول ليس غرضه قطعاً التذكير بالجغرافيا الأوروبية، بل يبدو أنه يستهدف أمرين: الأول، تفسير الانعطافة الأميركية إزاء الدور الأوروبي في أوكرانيا، والثاني تذكيرهم بأنه تقع على كواهلهم مسؤولية أكبر من المسؤولية التي تقع على عاتق الولايات المتحدة.
وسبق لواشنطن أن هددت الأوروبيين بالتخلي عن الدفاع عنهم في إطار الحلف الأطلسي في حال لم يخصصوا ميزانيات أكبر للمسائل الدفاعية. وكان التخوف الأوروبي مصدره القلق من انفكاك الاهتمام الأميركي بأوروبا. وقد ازدادت المخاوف بعد تمنع واشنطن عن التجاوب مع حاجة الأوروبيين لضمانات أميركية صلبة يرونها ضرورية جداً لتمكنهم من إرسال قوة أوروبية تضمن اتفاق سلام قد يتوصل إليه الطرفان، وتطالب بها كييف.
وأطلقت باريس ولندن معاً مبادرة: «تحالف الراغبين» التي تضم نحو ثلاثين دولة، وغرضها العمل على توفير الضمانات الأمنية التي تعني إرسال قوة أوروبية إلى أوكرانيا لا تنتشر على خط وقف إطلاق النار، بل بعيداً عنه، وتكون مهمتها «ردع» روسيا عن مهاجمة أوكرانيا مجدداً. وتعتبر باريس أن الجانب الأميركي «يقدرون العمل الذي أطلقناه مع بريطانيا، وله زخمه الخاص، وأقدر أنه سيستمر وينجح». واعتبر الإليزيه أن الأوروبيين، بمشاركتهم في المفاوضات، «أطلقوا من باريس مساراً إيجابياً»، وأنهم «يحملون طموحاً أوروبياً قوامه التوصل إلى سلام ثابت ومستدام».
في معرض تقديمها لما جرى في المحادثات، كشفت مصادر الإليزيه أن موضوع الدعم الأميركي قد طُرح، وأن واشنطن «جاهزة لمناقشة ملف الضمانات الأمنية، وأن الأمور مرهونة شكلاً ومضموناً بما سيصدر عن المفاوضات التي يُفترض بها أن تحصل على سلام صلب ومستدام، يبدأ بطبيعة الحال بوقف كامل وتام لإطلاق النار، وبأسرع وقت». وبخصوص وقف النار، تعتبر باريس أنه يجب «من باب الواقعية، أن يُبنى على خط المواجهة كما يبان اليوم، والجميع متفقون على ذلك».
ومن جانبه، فإن وزير الخارجية البريطاني ديفيد لامي الذي شارك في جانب من المحادثات في باريس، طالب روسيا بأن «توافق على وقف إطلاق نار فوري وكامل وغير مشروط كما فعلت أوكرانيا»، مضيفاً في رسالة على منصة «إكس» أن «اجتماعات باريس تؤكد التزامنا المشترك بالأمن العالمي».
يبقى أن روبيو اتصل هاتفياً بنظيره الروسي لإطلاعه على نتائج مباحثات باريس، وليبلغه أن «السلام ممكن»، وفق ما جاء في بيان الخارجية الأميركية. وجاء الرد الروسي غامضاً بحيث يفتح الباب أمام الكثير من التأويلات. وأشارت وسائل إعلام روسية إلى أن لافروف أكد لنظيره الأميركي استعداد موسكو للعمل مع واشنطن لمعالجة الأسباب الجذرية للأزمة الأوكرانية؛ ما يعيد النقاش إلى نقطة البداية.
صحيفة الشرق الأوسط – ستارمر وترمب يبحثان ملفات التجارة وأوكرانيا وإيران المصدر: