اخر الاخبار

«صمود» إسرائيل بلا دعم أميركي «محل شك»… وحرب إيران تتطلب «موارد جبارة»

استهداف مطار بن غورويون لم يشعل شرارة التهديدات، لكنها أذكاها. فقبل شهرين، كان رئيس أركان الجيش، إيال زامير، قد حدد حال تسلّمه منصبه «عام 2025 موعداً لمواجهة عسكرية محتملة مع إيران»، وبعد يومين من ذلك التصريح شاركت القوات الإسرائيلية في تدريب مشترك مع الطائرات الأميركية والبريطانية، بمشاركة القاذفة الاستراتيجية «بي 52» في سماء الشرق الأوسط.

والحال أن الاستعداد لحرب مع إيران متجذر في عمق المؤسسة العسكرية. في تقرير لـ«القناة 13» للتلفزيون الإسرائيلي، تحدّث 7 قادة سابقين لسلاح الجو عن «استعدادات قاموا بها منذ أواسط العقد الماضي، وما زالت مستمرة، حول حرب مباشرة مع إيران».

لكن الجديد هو ارتفاع الأصوات التي تتحدث عن قدرة إسرائيل على خوض هذه الحرب وحدها، وتحريض نتنياهو على اتخاذ قراره «حالاً»، قبل أن توقّع واشنطن اتفاقاً نووياً مع طهران.

يقول أصحاب هذه الأصوات إن الرئيس الأميركي دونالد ترمب، ورغم كونه «أفضل صديق لإسرائيل بين رؤساء الولايات المتحدة»، إلا أنه يعمل وفق مبدأ «أميركا أولاً»، ويتجه لإبرام اتفاق يقضي بإلغاء المشروع النووي الإيراني العسكري والإبقاء على النووي المدني.

ويتركز القلق العميق في إسرائيل أيضاً من «إهمال ملف الصواريخ الباليستية التي تنتجها إيران وتهدّد بها إسرائيل»، وهو قلق دفع السفير الإسرائيلي الأسبق في واشنطن، مايك أورن، إلى تحريض نتنياهو على «العمل لوحده وعدم الاعتماد على ترمب».

نتنياهو متحدثاً في الأمم المتحدة (رويترز)

«خطر وجودي»

لا تنظر النخبة الإسرائيلية إلى إيران تهديداً آنياً. يقول إيلي كلوتشتاين، الباحث في معهد «مسغاف» للأمن القومي والاستراتيجية الصهيونية، إنها «خطر وجودي على دولة إسرائيل».

اقراء ايضا  بدء التشغيل التجريبي لمترو الرياض خلال أيام

ويعتقد كلوتشتاين أن «جلوس إسرائيل مكتوفة الأيدي خوفاً من حرب إقليمية يعزز ثقة النفس لدى الإيرانيين، ويعجل من اندفاعهم نحو القنبلة النووية»، الذي يبدو أن الهدف منه «وسيلة لمحاربة الغرب، ويضمن ذلك تدمير دولة اليهود ومحوها عن الخريطة».

ويعتقد كلوتشتاين، في مقال كتبه في موقع «المعهد اليميني» الذي يعمل فيه ويترأسه مئير بن شبات، المقرّب من نتنياهو، أن «اتخاذ قرار بالهجوم على إيران ليس سهلاً، إذ يحتاج إلى موارد جبّارة واستعدادات ضخمة، ويشكّل تحدياً لوجستياً هائلاً وعملية دبلوماسية جبّارة، وينطوي على تهديد حياة الكثيرين بالخطر».

وسأل كلوتشتاين قيادة إسرائيل «التي ترى بالفعل الخطر الداهم»، قائلاً: «إذا لم تفعلوا شيئاً اليوم، فإذًا متى؟».

ويقول معارضون إن التيار المتحمس لضرب إيران «لديهم ذاكرة قصيرة جداً» بالنظر إلى ما حدث بعد هجوم «حماس» في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2025، حين سارع نتنياهو إلى الرئيس الأميركي السابق جو بايدن طلباً للمساعدة، وفعلاً حركت واشنطن جسراً جوياً من الأسلحة والعتاد إلى تل أبيب.

مداولات صريحة

أجرى معهد «ميتفيم» للسياسات الخارجية في تل أبيب، نهاية الشهر الماضي، بحثاً معمّقاً، بمشاركة خبراء عسكريين وسياسيين واستراتيجيين، وخرجوا باستنتاج أن «إسرائيل تستطيع أن تدافع عن نفسها، لكنها حتى في هذا بحاجة إلى الولايات المتحدة، فماذا عن حرب تشنّها إسرائيل على إيران».

ويقول عيران عتصيون، النائب السابق لرئيس مجلس الأمن القومي في الحكومة الإسرائيلية، والرئيس الأسبق لقسم التخطيط السياسي في وزارة الخارجية، إن «الأحاديث المتصاعدة أخيراً عن مهاجمة إيران ومنشآتها النووية بضربات إسرائيلية مستقلة، ضرب من التضليل الخطير».

ويؤكد عتصيون، الذي شارك في البحث، أن هذه التهديدات «لا تأتي من تيار العربدة السياسية الحاكم في إسرائيل وحسب، بل أيضاً من الولايات المتحدة»، وأوضح قائلاً: «هناك مجموعات من المتطرفين المحيطين بالرئيس ترمب، يحثّونه على توجيه ضربة عسكرية لإيران، وإن لم ترغب بذلك فلتدع إسرائيل تفعل، وقدّم لها ما تحتاج».

اقراء ايضا  10 حرف يدوية للنساء للعمل والربح من المنزل تعرف عليها

وذكر عتصيون برسالة نشرتها وسائل إعلام أميركية قبل أشهر، وكانت بتوقيع 77 جنرالاً وأدميرالاً أميركياً متقاعداً، يحضّون فيها ترمب على دعم أي عمل عسكري إسرائيلي محتمل ضد إيران، محذرين من أن طهران تقترب من إنتاج أسلحة نووية.

وجاء في الرسالة، التي تبين أن «المعهد اليهودي للأمن القومي الأميركي» هو من نظّمها، أن «الوقت قد حان للسماح لإسرائيل بإنهاء العمل ضد المحور الإيراني، ومنع إيران من تجاوز العتبة النووية»، مع حثّ واشنطن على تقديم الدعم العسكري اللازم.

وأضاف الموقعون: «إيران النووية ستشكّل تهديداً مباشراً للأمن القومي للولايات المتحدة. ما تطلبه إسرائيل هو الدعم الذي يضمن أقصى فاعلية لعملياتها، مع إدارة مخاطر الردّ الإيراني. يجب أن نتحرّك بسرعة، خصوصاً في ظل ازدياد عمليات التخصيب الإيرانية وتدخلها في عمل مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية».

لقطة عامة تُظهر محطة بوشهر للطاقة النووية في إيران (رويترز)

«السوط» الذي يهددون به طهران

معاهد الأبحاث الإسرائيلية، التي تعدّ دراسات عن التهديد الإيراني، تقول إن النقاش في موضوع ضرب إيران قائم منذ سنوات طويلة، عندما كُشف النقاب عن المشروع النووي. وكانت إسرائيل على خلاف دائم مع دول الغرب، التي تفضّل لغة الحوار والدبلوماسية. وقبلت في حينه بدور «السوط» الذي يهددون به طهران.

لكن شيئاً ما تغيّر في هذا. ففي حينه، كان واضحاً أن إسرائيل لا تستطيع وحدها ضرب المشروع النووي الإيراني، مثلما فعلت بشكل مثير لإعجاب الغرب في سنة 1981 عندما دمّرت المفاعل النووي العراقي، وفي سنة 2007 عندما دمّرت المفاعل النووي السوري.

لذا، تعلّمت إيران الدرس وأقامت 21 منشأة وزّعتها على شتى أرجاء البلاد، ووضعت غالبيتها تحت الأرض وفي عمق الجبال، وآخرها مفاعل قرب نتنز في عمق 100 متر تحت الأرض.

في المقابل، فإن إسرائيل «لا تمتلك قدرات تفجير غالبية هذه المنشآت»، وفق تقديرات لمعهد «مسغاف» الإسرائيلي الذي يقول: «حتى واشنطن لا تمتلكها». ويخلص إلى أن «أي ضربة لإيران لن تقضي على المشروع النووي، وفي أحسن الحالات تقلّصه وتؤخّره سنتين أو ثلاثاً».

اقراء ايضا  بحث التعاون السعودي التركي عسكريًّا

شل اقتصاد إيران بضربة

يطرح رئيس المعارضة الإسرائيلية، يائير لبيد، فكرة أخرى، وهي ضرب المنشآت الاقتصادية في إيران. يقول إن «المساس بالاقتصاد والشعور بأن إسرائيل قادرة على ضرب إيران وتنفيذ عمليات مختلفة بداخلها، يحطّم هيبة النظام ويعجّل في الكفاح الداخلي لإسقاطه».

ولكن، بعد توجيه ضربات قاصمة لـ«حزب الله»، ولـ«حماس»، وحتى لإيران، وبعد انهيار نظام بشار الأسد في سوريا، اتسعت دائرة التيار الإسرائيلي الذي يطالب بضربات عسكرية مباشرة لإيران، إذ يرى مؤيدو هذا التيار أن «إسرائيل أثبتت قدرات كبيرة على قصف إيران، وتمكّنت من قطع أذرع (الحرس الثوري) في المنطقة».

ويقول لبيد: «إسرائيل تستطيع الآن القيام بعملياتها بحرية أكبر، وسيكون من الأصعب على طهران أن تتصدّى لها».

مركبات الوفد الأميركي تغادر السفارة العمانية في روما بعد الجولة الثانية من المحادثات النووية مع إيران (أ.ف.ب)

«حتى لا يفوت القطار»

إلا أن الباحث عتصيون يحذّر من هذه المفاهيم، لأن «إسرائيل تعاني بشكل خطير من انهيار العقيدة الاستراتيجية، وفي غياب الحسابات الاستراتيجية».

يقول عتصيون: «وزراء الحرب في  الكابنيت هزيلون، وقسم منهم يتصرّفون بصبيانية، ويركضون إلى الإعلام لإظهار بطولاتهم، ولا يحافظون على السرّية، ولا يتمتّعون بالحدّ الأدنى من القدرة على مواجهة التحدّيات، ولذلك فإن إسرائيل تحتاج إلى قيادة أخرى يكون فيها غالبية من القادة المستقلين».

ويعتقد عتصيون أن مجلس الأمن القومي في إسرائيل، الذي كان يوماً ما ذا وزنٍ ثقيلٍ، بات اليوم أداةً بيد رئيس الحكومة ويخضع لحساباته حزبية، كما أن وزارة الخارجية، التي كانت تحظى باحترام، تعيش اليوم في حالة تأزّم، وليس لها دور».

خلاصة بحث معهد «ميتفيم» أن ما يجب أن تفعله إسرائيل الآن هو أن «لا تسمح بأن يفوتها القطار»، وأن تطلب من ترمب احتلال كرسي على طاولة المفاوضات مع إيران، بصفتها المتضررة من هجمات تعرّضت لها من أذرع إيران، وهكذا يمكن أن تُؤخذ مصالحها بالاعتبار.


«صمود» إسرائيل بلا دعم أميركي «محل شك»… وحرب إيران تتطلب «موارد جبارة» المصدر:

زر الذهاب إلى الأعلى
إنضم لقناتنا على تيليجرام