ضابطة أممية تفوز بجائزة مرموقة تكريما لكفاحها “من أجل الكرامة” في سجون الكونغو الديمقراطية

ثم فعلت مديرة المشروع البالغة من العمر 38 عاما ما يفعله أي مخطط دقيق: اتصلت بمنزلها. وقالت إيبيكونلي: “تحدثت إلى زوجي، فقال: لماذا تسألينني؟ اذهبي! قولي لهم نعم!”
شجعها حماسه، لكن كيف يمكنه تدبير كل شيء بمفرده. طفلاهما يبلغان من العمر سبع وعشر سنوات فقط. لكنه رد بسؤال واحد مُقنع “هذان الطفلان اللذان تتحدثين عنهما. ما هو اسمهما الأخير؟” فأجابت، ليقول لها “هذا اسمي. اتركيهما معي”.
لتبدأ بعدها رحلة توجت اليوم الأربعاء في حفل أقيم في مقر الأمم المتحدة بنيويورك، بنيلها جائزة الأمم المتحدة الرائدة التي تمنح للموظفات العاملات في مجال العدالة والمؤسسات الإصلاحية. وتبرز الجائزة إنجازات أولئك الموظفات ومنهن كيمي – كما تحب أن تعرف نفسها – وتتحدى الصور النمطية الجنسانية والعوائق المتعلقة بهن.

نائبة الأمين العام للأمم المتحدة أمينة محمد (على اليمين) تقدم جائزة الموظفات الرائدات لعام 2025 للضابطة أولوكيمي إيبيكونلي (إلى اليسار).
التوازن بين الكرامة والأمن
كان عام 2020 عندما أصبحت كيمي عنصرا لا غنى عنه في مصلحة السجون النيجيرية. عندما يتضرر سقف سجن، أو ينهار جدار، أو يضطر الناس إلى تصميم مبنى من الصفر، كانت هي الشخص الذي يلجأ إليه الناس. في ولاية لاغوس، أشرفت على خمسة مراكز احتجاز تضم ما يقرب من 9000 محتجز – وهو إنجاز ليس هينا في مجال لا يزال يهيمن عليه الرجال إلى حد كبير.
إيبيكونلي قالت: “نحقق التوازن بين احترام كرامة الأشخاص والأمن. حتى في عنابر السجون، يجب أن تتمتع دورات المياه بالخصوصية. نستخدم ما نسميه بابا قزما، حيث أستطيع رؤية الأقدام، ويغطي الباب حتى الرقبة، لأعرف إذا كان الشخص يحاول الانتحار”.
عقلية تناسب المهمة
هذا التوازن كان بالضبط ما تبحث عنه الأمم المتحدة. أرادت بعثة الأمم المتحدة لتحقيق الاستقرار في جمهورية الكونغو الديمقراطية (مونوسكو)، شخصا قادرا على التوفيق بين السلامة وحقوق الإنسان. وقالت إيبيكونلي متحدثة بهدوء شخص شاهد عملية بناء ملموسة في الوقت الفعلي: “الكفاءة لا علاقة لها بالنوع الاجتماعي”.
وصلت كيمي إلى كينشاسا، عاصمة الكونغو الديمقراطية، بمهمة بدت إدارية على الورق، وهي المساعدة في إصلاح نظام السجون المتعثر في البلاد. أما عمليا، فكان ذلك يعني إعادة تصميم المشهد اليومي للسجن في دولة ما بعد الصراع؛ أنبوبا تلو الآخر، وبابا تلو الآخر.
تغيير العقلية
كانت كيمي تعلم أن إصلاح السجون يجب أن يبدأ بمخططات الطوابق. اجتمع فريق المؤسسات الإصلاحية التابع لبعثة مونوسكو مع السلطات الوطنية لإثبات صحة قواعد مانديلا وقواعد بانكوك، وهما معياران دوليان يدعوان إلى معاملة إنسانية للسجناء وممارسات احتجاز تراعي الفوارق بين الجنسين. لكنهم قوبلوا بمقاومة ونظرة ضيقة لما يمكن أن يكون عليه السجن.
وقالت كيمي: “لم يروا سبب حاجتنا إلى تضمين مكتبة أو ورشة عمل في التصميم. لذا، جربت نهجا مختلفا. وأوضحت أنه عندما تضم السجون مراكز رياضية، فإن السجناء يتمتعون بصحة أفضل لأنهم يمارسون الرياضة. ومع وجود مكتبة، يمكنهم قضاء وقتهم في القراءة بدلا من التفكير في كيفية الهروب”.
قامت كيمي وزملاؤها بصياغة مخطط لمرافق جديدة على مستوى البلاد، ورسموا خريطة للمرافق القائمة، وقرروا أيها يجب إعادة تأهيله وأيها يجب استبعاده.
وفي الوقت نفسه، أصرت على بناء سجون منفصلة للنساء. وقالت: “لا يقتصر الأمر على وجود جناح للنساء في سجن للرجال، فهذه وصفة لتعريض النساء للاستغلال الجنسي والعنف. عندما لم يكن الانفصال الكامل ممكنا، دفعت نحو بناء أسوار وممرات مستقلة”.

الضابطة الأممية أولوكيمي إيبيكونلي (في الوسط) أثناء ورشة عمل للخياطة لدعم إعادة دمج المحتجزات في شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية.
كسر القوالب
في الميدان، تجاهلت كيمي في البداية التعليقات التقليدية، مثل “من هذه الفتاة القصيرة” التي أرادت الاطلاع على الإيصالات، وفحص حديد التسليح، والتحقق من نسبة الرمل إلى الأسمنت، والتحقق من مؤهلات العمال؟
لم تُجدِ لغتها اليوروبا الأم – وحتى لغتها الإنجليزية النيجيرية – نفعا. تعلمت الفرنسية التقنية بسرعة، واستخدمت قائمة الأسعار الكونغولية لتخفيض عروض الأسعار المتضخمة.
كان من المفترض أن يكون أحد المواقع مجهزا بتكييف هواء في جميع أنحائه، لكن شركة البناء حضرت بمراوح قائمة. تذكرت وهي ترسم خطا في الهواء، كما فعلت آنذاك، بقلمها “أخرجتُ وثيقة المشروع، ثم قلت ثلاثة مكيفات هواء. انتهى الأمر”.
وعندما اتصل المقاولون بكينشاسا للشكوى، تلقوا نفس الإجابة: “تحدثوا إلى كيمي”.
عندما وصل المتمردون
بحلول عام 2023، كانت كيمي قد نُقلت شرقا إلى مقاطعة جنوب كيفو. في مدينة كاباري، أشرفت على بناء منشأة أمنية مشددة بتكلفة 850 ألف دولار، مُصممة لاحتجاز “الأشخاص صعاب المراس”، والذين يرتبط العديد منهم بجماعات مسلحة. كان مشروعا ضخما. أشرفت على الموقع يوما بعد يوم، وكانت تقطع مسافة 20 كيلومترا ذهابا وإيابا من بوكافو، عاصمة المقاطعة.
وفي كانون الثاني/يناير، شنت حركة 23 مارس هجوما كبيرا في المنطقة.
وبموجب اتفاق مع كينشاسا، كانت مونوسكو قد سحبت قوات حفظ السلام التابعة لها من جنوب كيفو في العام الذي سبقه، ولم يتبقَ سوى فريق المؤسسات الإصلاحية التابع لها في مكانه. وظلت قوات الأمم المتحدة متمركزة فقط في مقاطعتي شمال كيفو وإيتوري القريبتين. وبحلول الوقت الذي وصل فيه المتمردون إلى ضواحي بوكافو، كانت كيمي هي الوحيدة المتبقية من البعثة.
اتسم إجلاء الموظفين الأجانب بالفوضى. وقالت كيمي: “اضطررنا لعبور الحدود البرية دون أي دعم لوجستي من الأمم المتحدة، وكان كل شخص يجد طريقه للخروج بشكل ما”.
سيطر مقاتلو حركة 23 مارس على بحيرة كيفو، مما جعل الملاحة النهرية مستحيلة. ومع حقيبة ظهر واحدة فقط، استقلت سيارة مع زميلين لها في مجال حقوق الإنسان قبل سقوط المدينة بقليل.
وفي الطريق، ظل زوجها يرسل لها رسائل على واتساب مثل “أين أنتِ؟ هل أنتِ بخير؟” وكي لا تقلقه، أجابت ببساطة: “أنا بخير”. الآن فقط سمحت لنفسها باستعادة تلك اللحظة عندما قالت: “لقد كانت فترة مخيفة. نحن القلائل الذين بقينا، أصبحنا كعائلة”.
على الحدود الرواندية، جذبت صورة هويتها بالزي الرسمي الانتباه. وقالت كيمي: “نظروا إليها وقالوا: ‘أنتِ من الشرطة’. قلت: ‘لا، لستُ من الشرطة؛ أنا من المؤسسات الإصلاحية’. قالوا: ‘الأمر سيان – أنتِ من الشرطة!'” تم إيقافها جانبا للاستجواب، ثم أُجريت مكالمات، فالمزيد من المكالمات. وفي النهاية، سُمح لها بالمرور.
كيمي تعمل الآن في بيني، وهي مدينة لا تزال تحت سيطرة الحكومة في شمال كيفو، وتواصل عملها مع فريق المؤسسات الإصلاحية التابع لمونوسكو. إلا أن مشروع السجن الكبير الذي أشرفت عليه سابقا في كاباري لا يزال قيد الانتظار.

الضابطة الأممية أولوكيمي إيبيكونلي (وسط الصورة) أثناء الإشراف على بناء سجن في شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية.
تحويل النفايات إلى وقود
العديد من المشاهد المهمة تتذكرها كيمي، والتي غيرت بهدوء الحياة وراء القضبان، ومنها نظام الغاز الحيوي الذي ساهمت في إطلاقه عام 2021 في سجن أوفيرا، في جنوب كيفو، حيث حولت الفضلات البشرية إلى غاز للطهي. لم تعد نيران المطبخ تخيم على الغابات. وتوقفت مياه الصرف الصحي عن التدفق عبر الأنابيب المتشققة. وقالت كيمي: “لا مزيد من الروائح الكريهة”.
مشهد آخر من سجن بوكافو، الذي كان يضم 80 امرأة وأكثر من 1400 رجل. كل صباح، كانت أكياس الطعام تُوزع على الرجال. قالت إن النساء ببساطة لم يحصلن على “أي شيء”. أخبرها المسؤولون أن عائلات السجينات أحضرت لهن وجبات الطعام، وأن الجمعيات الخيرية سدت النقص، لماذا تُنفق عليهن حصة السجن؟
المطبخ نفسه كان خرابا من السخام ومواقد مكسورة، كل امرأة تطبخ على شعلة فحم واحدة. لم تتقبل كيمي ذلك، فجمعت 2000 دولار من بنود الميزانية المتبقية، واشترت أوان وأوعية، واستأجرت فنيا، ووقفت بجانبه حتى عاد المطبخ إلى العمل.
لكن المعركة الحقيقية كانت بيروقراطية. ذهبت إلى رئيس السجن وجادلت بأن الحكومة توفر الطعام لكل سجين – وليس للرجال فقط. لمدة أسبوعين متتاليين، كانت تأتي في السابعة صباحا للتأكد من توزيع الحصص بالتساوي.
ثمن المغادرة
خلال مهماتها، لم تتوقف كيمي عن كونها أما، وتبقى قريبة من طفليها عبر مكالمات الفيديو.
وقالت: “نتحدث عبر واتساب. في طريقهما إلى المدرسة، يتصلان دائما. حتى على متن رحلتي إلى هنا، كانت لدي شبكة لاسلكية (واي فاي)، لذا تمكنت من التواصل معهم”. في لاغوس، يعمل زوجها من المنزل، محافظا على إيقاع الأسرة.
عندما غادرت لأول مرة إلى جمهورية الكونغو الديمقراطية، تظاهر ابنها البالغ من العمر سبع سنوات بالهدوء. قال: “ستغادرين غدا؟ حسنا، أراك لاحقا”، بينما تشبثت بها أخته الكبرى، طالبة “خمس دقائق أخرى”.
لكن بعد فوضى إجلائها من بوكافو، توقف الصبي – الذي أصبح الآن مراهقا – عن التمثيل. انفجر باكيا. قال لها: “يمكنكِ العودة إلى المنزل. لستِ بحاجة إلى العمل. أبي سيعتني بنا“. ابتسمت وأعطته الإجابة الوحيدة التي تعرفها: “الأمر لا يتعلق بالمال فقط. بل يتعلق بفعل شيء لنفسي – ولكم”.
ضابطة أممية تفوز بجائزة مرموقة تكريما لكفاحها “من أجل الكرامة” في سجون الكونغو الديمقراطية المصدر: