اخر الاخبار

«عايش إكلينيكياً»… كوميديا سوداء حول فقدان الشغف

هل يكفي أن يكون المرء على قيد الحياة من الناحية البيولوجية، من حيث التنفس وانتظام ضربات القلب والحركة في المكان، حتى نعتبره من الأحياء وأنه «عائش» بيننا؟ وهل يمكن أن يكون هناك أشخاص يتنفسون ويتحركون، لكنهم في الحقيقة ماتوا منذ زمن وفق معايير أخرى ومقاييس مختلفة؟

يجيب صناع مسرحية «عايش إكلينيكياً»، التي يستمر عرضها حتى 24 أغسطس (آب) الجاري، على خشبة مسرح الهناجر في القاهرة، عن هذا التساؤل الصادم، مؤكدين عبر حبكة درامية جريئة وإيقاع سريع وأداء تمثيلي يتسم بالتلقائية أنه من الممكن جداً أن تتوافر في شخص كل المؤشرات الشكلية للحياة، لكنها في الحقيقة حياة تقترب من الموت، حتى إنه يجوز لنا أن نطلق عليه هذا المسمى «عائش إكلينيكياً».

تتضح الفكرة من خلال طبيعة شخصية بطل العمل «صابر»، وهو شاب سلبي على نحو لا يُصدّق، فاقد للشغف، لا يمتلك حلماً أو طموحاً أو وجهة نظر، يعتمد على الآخرين كي يحددوا له خطوته القادمة، يتعرض للظلم فلا يحتج، تُسلب حقوقه فلا يعترض، اعتاد طوال الوقت أن يكون «رد الفعل» ولم يخطر بباله يوماً أن يجرب أن يكون «الفعل».

المسرحية تناولت العديد من القضايا الاجتماعية (المخرج)

تتعدد المواقف والسياقات الاجتماعية التي تتحرك فيها الشخصية، من خلال عمله مدرساً حيث يخضع لسطوة مدير المدرسة واستبداده، وكذلك والد خطيبته، والمدهش أنه لا يشعر بأنه امتلك شيئاً من حرية الإرادة والتعبير عن الذات إلا عبر علاقة مؤذية حين يتعرف على فتاة ليل ويغرق حتى الثمالة في الشراب وهو يترنح في ملهى ليلي.

اقراء ايضا  المحكمة الجنائية الدولية: بصيص أمل في تحقيق العدالة يمكن أن ينتشر على نطاق أوسع في ليبيا

وعدّ مؤلف ومخرج العمل أحمد فتحي شمس، المسرحية «محاولة جادة لاستكشاف أعماق النفس البشرية بما فيها من مشاعر مكبوتة وصراعات مكتومة تحت السطح، بحيث نستطيع أن نحيا جميعاً حياة سوية ولا تمر بنا الأيام وكأننا على أجهزة إنعاش سريري خفية».

التمثيل والإضاءة لعبا دوراً مهماً في توصيل الحالة (المخرج)

تنبع جماليات المسرحية من أن تلك الرؤية لا تُطرح في سياق «ميلودرامي» ينحو إلى المبالغة أو يستدر الدموع، بل عبر «كوميديا سوداء» تستخرج من المواقف المثيرة للأسى والبكاء ما يدعو إلى الضحك وتطرح المآسي في قالب مرح طريف، على طريقة التعبير الشهير «شر البلية ما يُضحك».

ويعلق أحمد فتحي شمس في تصريح إلى «الشرق الأوسط»، على تلك الفكرة مؤكداً أن «القضية التي يطرحها العمل تبدو قاتمة وقاسية بل ومؤلمة أيضاً حين نتمعن فيها جيداً ونسعى لسبر أغوارها بعمق؛ لذلك كان لا بد من تخفيف وطأتها عبر القالب الكوميدي النقدي الساخر».

يُبرز عنوان المسرحية مفارقة مع التعبير الطبي الشائع «ميت إكلينيكياً» لتصل رسالة العرض بأن مفاهيم الموت والحياة ليست دائماً كما نظن وبحاجة إلى تعريف جديد، فقد يكون شخص على قيد الحياة وهو يعاني من «موات فعلي» نتيجة سلبيته وانعدام تأثيره وانسحاق شخصيته في مواجهة العالم والآخرين.

تساؤلات كثيرة طرحها العرض (الشرق الأوسط)

أجاد الفنان مصطفى حزين في تجسيد شخصية الشاب المهزوم الذي يترك نفسه للتيار يحركه هنا وهناك دون إرادة منه، حتى إنه عندما يتعرض لاتهامات ظالمة أو مزاعم عبثية مثل تأكيد طبيبه له أنه «حامل»، لا يعترض أو يحتج أو حتى يندهش أو يتساءل!

ونجحت ألحان أحمد شعتوت والرقصات التي صممها محمد بيلا في منح العمل الكثير من الحيوية، كما منحت ديكورات أحمد رشاد وملابس كارمن أحمد وإضاءة محمد عبد المحسن المشاهد المختلفة التي توالت باعتبارها «لوحات» درامية هويتها المستقلة، فجاءت متفردة عبر انتقال سلس وهادئ من مكان إلى آخر.

اقراء ايضا  انتقال اختصاص نظر قضايا العمالة المنزليّة ومن في حكمهم إلى المحاكم العمالية بوزارة العدل - أخبار السعودية

«عايش إكلينيكياً»… كوميديا سوداء حول فقدان الشغف المصدر:

زر الذهاب إلى الأعلى
إنضم لقناتنا على تيليجرام