عثرات المواعيد والمساعدات والدمار في غزة بين الحل والخرق

بيئة متصدعة
ونصّ الاتفاق على وقف شامل لإطلاق النار، وإدخال المساعدات الإنسانية عبر معبر رفح، وتنسيق عمليات الإغاثة بإشراف أممي، إلى جانب ترتيبات لتبادل الأسرى والمحتجزين. لكنّ الوقائع الميدانية على الأرض أظهرت أن التزامات الطرفين لا تسير بوتيرة واحدة، إذ أكدت مصادر ميدانية أن القوات الإسرائيلية استأنفت غارات محدودة في شمال القطاع، بدعوى «الرد على مصادر نيران»، ما اعتبرته حركة حماس خرقًا مباشرًا للاتفاق.
وتزامن ذلك مع تأخّر دخول الشاحنات الإنسانية التي كان يُفترض أن تصل في الساعات الأولى من الهدنة، لتخفيف الكارثة التي تعيشها آلاف الأسر المحاصرة. ووفقًا لتقديرات منظمات الإغاثة، فإن كمية المساعدات التي سُمح بمرورها لا تغطي سوى نسبة محدودة من الاحتياجات اليومية، في حين بقيت مستودعات الأونروا شبه فارغة من الوقود والإمدادات الطبية.
تسليم الرهائن
وأثار تأخر حركة حماس في تسليم دفعات من الرهائن لإسرائيل جدلاً واسعاً، حيث اعتبرته تل أبيب محاولة للضغط وكسب مزيد من الوقت في المفاوضات الجارية بوساطة دولية. في المقابل، بررت الحركة التأخير بوجود «خلل في التفاهمات الميدانية» المتعلقة بإدخال المساعدات الإنسانية إلى شمال غزة، مؤكدة أن إسرائيل لم تلتزم بتعهداتها بشأن فتح المعابر وتسهيل الإغاثة.
إشارة مبكرة
ويرى مراقبون أن الخرق الإسرائيلي المبكر قد لا يكون مجرد حادثٍ ميداني، بل مؤشرًا إلى تعقيد أكبر في تطبيق بنود الاتفاق. فالتباين في تفسير آليات الهدنة بين الجانبين، وعدم وضوح الضمانات الأمنية، جعلا تنفيذ الاتفاق محكومًا بتقديرات ميدانية أكثر منه التزامًا سياسيًا.
وتشير مصادر دبلوماسية إلى أن تل أبيب تبرر استمرار بعض عملياتها بأنها «استطلاعية» أو «محدودة»، بينما تعتبرها الفصائل المسلحة جزءًا من سياسة ممنهجة لفرض واقعٍ جديد على الأرض، يتيح لإسرائيل التحكم بمناطق العبور وخطوط الإمداد الحيوية.
الأمل والعجز
ورغم وصول أولى قوافل الإغاثة إلى رفح، إلا أن حجم الدمار في القطاع جعل تلك الخطوة تبدو رمزية أكثر من كونها عملية إنقاذ. فالمستشفيات لا تزال تعمل بقدرات دنيا، والطواقم الطبية تحذر من موجة أمراض وأوبئة نتيجة نقص المياه النظيفة. وفي الأحياء الشمالية، لا تزال الجثث تحت الأنقاض دون انتشال كامل، بينما تعيش عشرات العائلات داخل مبانٍ مهدمة جزئيًا أو في خيام مؤقتة وسط البرد.
وتقول منظمات إنسانية إن العقبة الكبرى تكمن في غياب الضمانات الكافية لتدفق مستمر للمساعدات دون تدخل عسكري، خصوصًا أن الطيران الإسرائيلي لا يزال يحلّق على علو منخفض في محيط رفح وخان يونس.
الدمار المستمر يبدّد الثقة
ويترافق الحديث عن الهدنة مع مشاهد متواصلة للقصف في الأطراف الشرقية للقطاع. وبينما تسعى الجهات الوسيطة إلى تثبيت وقف النار، يشعر سكان غزة بأن الاتفاقات المتكررة تحوّلت إلى فواصل مؤقتة بين موجات من العنف. فكل هدنة تنتهي على وقع غارة جديدة، وكل تصريح عن تسهيلٍ إنساني يُقابَل بواقعٍ معاكس على الأرض.
ويرى خبراء أن استمرار الدمار في البنية التحتية للقطاع، من شبكات الكهرباء والمياه إلى المستشفيات والمدارس، يجعل أي اتفاق هشًا بطبيعته، لأن غياب إعادة الإعمار يترك السكان في دوامةٍ من المعاناة، ويجعل كل جولة تفاوض رهينة الحسابات الأمنية أكثر من البعد الإنساني.
الحذر والتصعيد
ومن جانبها، أبدت حماس التزامها بالاتفاق من حيث المبدأ، لكنها ربطت استمراره بوقف كل الانتهاكات الإسرائيلية وفتح المعابر بشكلٍ كامل أمام الإغاثة. وأشارت قيادات الحركة إلى أن «التجارب السابقة تجعل الحذر واجبًا»، معتبرة أن أي تصعيد جديد سيعيد الأمور إلى نقطة الصفر.
وفي المقابل، تواصل إسرائيل الحديث عن ضرورة ضمان «عدم عودة التهديدات من غزة»، وهو ما يُفسَّر في الأوساط السياسية على أنه تبرير مسبق لأي عمليات لاحقة. وبذلك، تبقى معادلة الهدوء مشروطة بتوازنٍ هشّ بين الاحتواء العسكري والمكاسب السياسية، دون وضوحٍ لآلية رقابة مستقلة تضمن التزام الطرفين.
أصوات دولية
ودعت الأمم المتحدة وعدد من الدول الأوروبية إلى تثبيت الهدنة ورفع مستوى المساعدات فورًا. وأكدت منظمات حقوقية أن استمرار القيود على إدخال الوقود والأدوية قد يؤدي إلى انهيار المنظومة الصحية بالكامل، مشيرة إلى أن أكثر من 80% من سكان القطاع يعتمدون الآن على المساعدات المباشرة للبقاء على قيد الحياة.
كما شددت تقارير دبلوماسية على ضرورة وجود «ضمانات تنفيذية» تشمل مراقبة دولية للمعابر، ووقف أي عمليات عسكرية في المناطق المدنية.
بين الحل والخرق
وبعد أيام قليلة من بدء تنفيذ الاتفاق، يجد الوسطاء أنفسهم أمام معضلة جديدة: كيف يمكن تثبيت هدنة لا تحترمها الوقائع الميدانية؟ فبينما تتحدث البيانات الرسمية عن «خطوات إيجابية»، يشهد الميدان مزيدًا من القصف، ومزيدًا من العوائق أمام المساعدات.
ويبدو أن السؤال الأهم الآن ليس متى سيتحقق السلام في غزة، بل هل يمكن فعلاً تنفيذ اتفاق إنساني في ظل غياب الثقة وتعدد الحسابات السياسية؟

أبرز العثرات المحتملة في الاتفاق:
استمرار الخروقات العسكرية الإسرائيلية بذريعة الأمن الميداني.
ضعف التنسيق اللوجستي لإدخال المساعدات.
غياب آلية رقابة دولية تضمن التزام الطرفين.
عدم وضوح جدول تبادل الأسرى وآليات التنفيذ.
هشاشة الثقة بين الوسطاء والأطراف المتنازعة.
عثرات المواعيد والمساعدات والدمار في غزة بين الحل والخرق المصدر: