كل هؤلاء غنّوا لأم كلثوم… لكن تعويضها يبدو «مستحيلاً»

«أنا وبناتي»… معرض عائلي يحتفي بالعواطف والفن
عند دخول معرض «أنا وبناتي» للنحات المصري جمال عبد الناصر وابنتيه ريم وندى، يغمرك على الفور إحساس بالبهجة ودفء المشاعر، والحوار المثمر بين الأجيال الفنية.
يضم المعرض المقام بغاليري «ياسين» في الزمالك بعنوان «أنا وبناتي» 20 قطعة نحتية للأب و14 لوحة لابنتيه فيما يُعد مزيجاً رقيقاً ومختلفاً من الألوان والأشكال، وهو يفاجئ المتلقي بمجموعة متنوعة من المنحوتات والرسومات ذات التناقضات المدهشة، وتركيبات الألوان الزاهية والباهتة معاً، والانحناءات البارزة والكتل والفراغات المنسجمة، والخطوط الموحية.
وبمجرد النظر حولك في الغاليري، لا يمكن إنكار أن الفنانين الثلاثة يشكّلون فريقاً فنياً متناغماً، وعلى الرغم من ذلك، فهذه هي المرة الأولى التي يعرضون فيها أعمالهم معاً، حيث قدموا أعمالهم في صالات عرض مختلفة، وفي أوقات مغايرة؛ لذا لم تتح لهم هذه الفرصة للتلاقي الفني من قبل، لكن ربما حان الوقت لعرض أعمالهم معاً عبر هذا الحدث.
ويهدف عبد الناصر إلى تقديم فعالية تبرز الحب في مشاركة التجربة، وتحديداً العلاقة بين الأب وابنتيه؛ إذ يؤكد الحدث العاطفة والدعم المتبادلين، بالإضافة إلى أساليب عمل وإلهام وأفكار غنية، يقول عبد الناصر لـ«الشرق الأوسط»: «المعارض الجماعية بشكل عام، تجربة تشاركية مهمة في الفن؛ تتيح تبادل الآراء والخبرات، وتفتح باب المناقشات، لكنها لا تخلو من التنافس بشكل أو بآخر».
ويتابع: «أما المعرض الجماعي للعائلة، فيأتي محملاً بالعاطفة، والحميمية، ولكم شعرت بالسعادة بإشادة الجمهور بأعمال ندى وريم، والآراء الإيجابية من جانب النقاد».
ويشير: «لكل من ابنتَيَّ خصوصيتها، وشخصيتها الفنية المختلفة عن الأخرى، كما أن كلاً منهما تأثرت بأعمالي بطريقة غير مباشرة، ومختلفة».
ورصد عبد الناصر تجربة ابنته ندى قائلاً: «يظهر تأثر ابنتي الصغرى بحبي للحيوانات، وتجسيدي لها في منحوتاتي، مع تعدد الخامات في أعمالها، وهي تبتعد عن الكلاسيكية في أسلوبها الفني»، أما ابنته ريم فيرى أنها «تميل إلى التعبيرية ومناقشة قضايا مجتمعية مثل أهمية دور المرأة وعطائها اللامحدود».
ليست العاطفة وحدها هي ما تسيطر على أجواء المعرض المستمر حتى 29 مايو (آذار) الجاري، فثمة «روح» فنية واحدة تسيطر على المكان، برغم أنه لا يقتصر على نوع واحد من الفنون.
وربما ساعد على ذلك أن أعمال جمال عبد الناصر تجمع ما بين معطيات النحت والتصوير، فتجده يقوم بتلوين منحوتاته بالألوان الزاهية المبهجة، وهو أمر غير نمطي ومعتاد في النحت المصري، كما أنه يتخلى عن «نخبوية» ورصانة فن النحت وقواعد الجماليات المرتبطة به ليقدم أعمالاً أقرب للتصويرية، ما يجعله أقرب إلى المتلقي العادي عبر تقديم أشكال مرحة، كما يحمل بعضها قدراً من السخرية الساكنة، ويتسم بعضها الآخر بالحركة المفرطة، وفي المنحوتة الواحدة قد تجد تشكيلاً فراغياً ومصمتاً معاً.
فيما يتعلق بالألوان، يرجع الفنان الاحتفاء بها إلى تأثره بالمصري القديم والفلكلور الشعبي: «ترك المصريون روائع فنية ملونة في كل مكان؛ فقد اهتموا كثيراً باللون وتأثيره على المتلقي، كما أن الفن الشعبي يقدر الألوان، وتجده حتى في الشارع من خلال رسوم عربات الفول والمراجيح وحوائط البنايات».
ويواصل: «أما تنوع وتضاد الخامات والأشكال والأساليب الفنية التي أقدمها أحياناً فهو يرتبط بولعي بالتجريب، وهو ما يتسق مع إيماني بأنه من الضروري للتشكيلي أن يخوض تجارب كثيرة وإلا فسيموت فنياً؛ إذ تصبح أعماله باهتة مكررة، ومن هنا فإنني حتى لو قدمت الفكرة نفسها مثل الحيوانات فإنني أحرص على أن تكون في كل مرة بأسلوب وشكل ورؤية مختلفة».
«من المؤكد أن عرض أعمالك الفنية مع والدك أمر مُخيف، خصوصاً عندما يكون ذو مكانة مرموقة وبارعاً في عمله»، تقول ريم جمال عبد الناصر لـ«الشرق الأوسط»، وتتابع: «كانت التجربة بالنسبة لي نوعاً من التحدي فكيف يمكن للجمهور أن يستقبل لوحاتي وهي متجاورة مع منحوتاته؟ لكن ركزت تعليقاتهم على إبراز أوجه التشابه بيننا، ورأى كثيرون أن البهجة والحركة من أهم الأشياء المشتركة بيننا».
تقدم ريم 7 أعمال، تدور حول ثيمة العلاقة بين الرجل والمرأة، والاحتفاء بالأسرة، ويشعر المتلقي بأنه أمام مشاهد درامية متتابعة، ففي إحدى لوحاتها نلتقي برجل وامرأة كل منهما داخل مركب مختلف، وكل منهما يبحر في اتجاه مختلف، ويبدو أن هناك صراعاً بينهما.
إلى أن نجدهما أخيراً على متن مركب واحد، وكل منهما يجدف في دلالة على التعاون، وعدم استئثار أحدهما بقيادة المركب، بينما تحيط بهما في البحر الأسماك في دلالة على أن تعاونهما سيؤدي إلى الخير.
كما تبرز لوحة تجمع أفراد الأسرة على مائدة طعام واحدة، والأيدي تتلامس في حب، تقول الفنانة: «الأسرة نواة المجتمع، وسبب استقراره وسعادته، والفن ملهم، ومن يشاهد اللوحات تصله رسالة ومشاعر خاصة أود أن يستلهمها ويشعر بها، تدور حول دفء العلاقات الأسرية».

الفكاهة والمرح والجرأة في التشكيل والتلوين من سمات أعمال ندى جمال عبد الناصر، تقول لـ«الشرق الأوسط»: «تأثرت كثيراً بأعمال والدي وبأسلوبه في التعامل معي في طفولتي، فلم يكن يتدخل في رسمي، أو في إحساس التلوين لدي».
وتتابع: «لم يعتبرني يوماً أشخبط أو أفرط في اختيار الألوان القوية الصريحة، كان فقط يلفت نظري بهدوء إلى بعض القواعد ويترك لي الاختيار، ومن هنا اكتسبت الثقة بالنفس في خطوطي وألواني، أمارس عملي بلا خوف من أي آراء حولي».
ومن خلال لوحات ندى السبع التي تشارك بها في المعرض بخامات مختلفة مثل الألوان الأكريلك، والقماش، والخيط، والخرز، يظهر كذلك تأثرها بحب والدها بتجسيد الحيوانات بلغة تشكيلية.
كل هؤلاء غنّوا لأم كلثوم… لكن تعويضها يبدو «مستحيلاً» المصدر: