مساعٍ حوثية لإحكام السيطرة على المساجد

منعت الجماعة الحوثية بناء المساجد في محافظة المحويت (شمال غربي اليمن) دون موافقة مسبقة من طرفها، وطردت واختطفت عدداً من أئمة المساجد والقائمين عليها في محافظة البيضاء (جنوب شرقي صنعاء) في ممارسات ترى الأوساط المجتمعية والحقوقية أنها تهدف إلى إحكام السيطرة على دور العبادة، ضمن مخاوف الجماعة من تأثيرات أحداث المنطقة.
وأدان مركز «رصد للحقوق والحريات» في محافظة البيضاء، الانتهاكات التي قال إن الجماعة الحوثية ارتكبتها ضد المساجد والخطباء ومعلمي القرآن والمدارس الحكومية والأهلية في المحافظة، والتي شملت طرد معلمي تحفيظ القرآن وزوجاتهم من مسجد في منطقة ذي وين، واختطاف مدير مركز «مذوقين» لتحفيظ القرآن، في مساعٍ للسيطرة على المسجد والمركز وإلحاقهما بالكيانات الحوثية.
وكشف المركز الحقوقي في بيان له عن عزل الجماعة إمام مسجد «السنة» في مديرية مكيراس وتعيين آخر موالٍ لها، وتهديد المصلين في حال رفض التعامل معه، كما اختطفت إبراهيم الحبابي الشخصية الدينية في مديرية رداع، إلى جانب توزيع عناصرها على عدد من المساجد والمدارس، للإشراف المباشر، وفرض معتقدات مذهبية على المعلمين والطلاب.
ووصف المركز تلك الإجراءات بالانتهاكات الصارخة للحقوق الدينية والفكرية المكفولة، مشدِّداً على ضرورة حياد المساجد ومرافق التعليم، والنأي بها عن الصراعات الفكرية والمذهبية. ودعا إلى الضغط على الحوثيين بكافة الوسائل لوقف هذه الممارسات، وضمان حرية المعتقد والتعبير لجميع المواطنين.
وفي محافظة المحويت ألزمت الجماعة الحوثية، عبر تعميم حديث، قادتها ومشرفيها، بعدم السماح ببناء أي جامع أو مسجد من دون موافقة رسمية مسبقة منها، من خلال ما تسمى «الهيئة العامة للأوقاف»، وهي كيان موازٍ أنشأته منذ 5 أعوام للسيطرة على قطاع الأوقاف.
صناعة التطرف
وبينما بررت الجماعة الحوثية هذه الأوامر بالحد من البناء العشوائي في المحافظة؛ متوعدة باتخاذ إجراءات صارمة ضد المخالفين، يرى السكان والمراقبون أنها تأتي في سياق مساعيها لاحتكار المساجد، وحرمان المخالفين لها في المذهب والاعتقاد من أي مساحات لممارسة حرياتهم ومعتقداتهم.
واعتاد اليمنيون بناء المساجد بجهود مجتمعية أو بتمويل من فاعلي الخير؛ خصوصاً في الأرياف والمحافظات النائية.
وينبه أحد أكاديميي جامعة صنعاء إلى أن الجماعة الحوثية لجأت إلى التصعيد، أخيراً، ضد المخالفين لها، والدفع باتجاه التسريع في تجريف المجتمع من أي تنوع مذهبي، في إطار مخاوفها من أن تؤدي التغييرات التي تشهدها المنطقة إلى الإضرار بمشروعها ونفوذها.
ويحذر الأكاديمي -وهو مدرس لعلم الاجتماع- من أن الإجراءات المكثفة للجماعة وأتباعها ضد المساجد وأئمتها وعدد من رموز التيارات الدينية السلفية، تنذر بعواقب وخيمة؛ إذ تضع السكان بين خيارين بتجريدهم من منابرهم الدينية، فإما أن يكونوا مجبرين على اتباع مذهب الجماعة، وإما ممارسة شعائرهم بسرّية.
وتابع تحذيراته بالتنويه إلى أن هذه الإجراءات قد تدفع كثيراً من السكان -خصوصاً من فئتي الأطفال والشباب- إلى الانخراط مع الجماعات المتطرفة المسلحة، في رد فعل على الإجراءات الحوثية؛ خصوصاً أن الأوضاع المعيشية الصعبة والكارثية توفر البيئة الخصبة لذلك.
ولجأت الجماعة، مطلع الشهر الحالي، إلى تصفية الداعية السلفي السبعيني صالح حنتوس، وأصابت عدداً من أفراد عائلته في محافظة ريمة، بعد حصار منزله وقصفه بمختلف أنواع الأسلحة.
اعتداءات وهيمنة
وكثَّفت الجماعة الحوثية خلال الأسابيع الأخيرة من إجراءاتها ضد أتباع التيار السلفي، وواصلت مساعيها للسيطرة على المساجد، وفرض أتباعها أئمة وخطباء.
وطردت الشيخ يوسف الشرعبي، إمام وخطيب مسجد «مصعب بن عمير» في حي السنينة، غربي العاصمة المختطفة صنعاء، من منزله المجاور للجامع، بعد أقل من أسبوع منذ الإفراج عنه من سجون الجماعة التي قضى فيها أكثر من 10 أشهر.
ووفقاً لمصادر محلية؛ فإن الجماعة بررت طرد الشرعبي برفضه الاستجابة لأوامرها بأداء صلاة الغائب على زعيم «حزب الله» اللبناني الأسبق حسن نصر الله، بعد أن تعرض لضغوط شديدة خلال سجنه، لإجباره على التقاعد من منصبه والتنازل عن منزله الملحق بالمسجد.
وذكرت مصادر محلية في عدد من المحافظات، أن كثيراً من المساجد في أرياف محافظات صنعاء وعمران وذمار، تشهد إجراءات لفرض عناصر حوثية عليها، وتتنوع تلك الإجراءات بين الترغيب والترهيب وإصدار قرارات تعيين مباشرة.
واشتكى أهالي مديرية حراز الواقعة في ريف صنعاء الغربي، من سعي عدد من القادة والعناصر الحوثيين لفرض أنفسهم أئمة لعدد من المساجد في القرى، مستغلين أن هذه المساجد لا يوجد لها إمام واحد ثابت؛ حيث يتطوع عدد من الشخصيات الاجتماعية بتولي هذه المهمة بالتناوب بين حين وآخر، بسبب انشغالاتهم.
وتنقل المصادر عن سكان المديرية أنهم فوجئوا بظاهرة جديدة تتمثل بوفود قادة وعناصر حوثيين على قراهم من مناطق وقرى بعيدة، وبعضهم غير معروف لديهم، وفرض أنفسهم أئمة للمساجد وخطباء في صلاة الجمعة كل أسبوع.
مساعٍ حوثية لإحكام السيطرة على المساجد المصدر: