اخر الاخبار

نيكولا فيليبير لـ«الشرق الأوسط»: الفضول الإنساني وقود أفلامي

قال المخرج الفرنسي نيكولا فيليبير إنّ الفيلم الوثائقي صار اليوم مساحة فنية واسعة ومتجددة، لا تقل أهمية عن السينما الروائية، بل توازيها في قدرتها على التجريب والابتكار، مضيفاً لـ«الشرق الأوسط» أنّ «النظرة إلى هذا النوع من السينما تغيّرت كثيراً في العقود الأخيرة؛ إذ لم يعد يُنظر إلى (الوثائقي) بوصفه نوعاً فرعياً أو هامشياً، بل صار مجالاً قائماً بذاته يتسع لمناهج سردية ورؤى فكرية متعددة».

المخرج الحائز جائزة «الدبّ الذهبي» من مهرجان «برلين السينمائي» قبل عامين، ترأس لجنة تحكيم مسابقة «الأفلام الوثائقية الطويلة» في الدورة الثامنة من مهرجان «الجونة السينمائي»، وأبدى اقتناعه بأن «الفيلم الوثائقي اليوم يتيح حرية أكبر في التعبير، ويجذب عدداً متزايداً من المخرجين الشباب الذين يجدون فيه وسيلةً صادقة للتفاعل مع الواقع دون تزييف أو مواربة».

وقال فيليبير: «صار الجمهور أكثر انفتاحاً على مشاهدة هذا النوع من الأفلام»، مشيراً إلى أن «باريس وحدها تشهد أسبوعياً عرض 3 أفلام وثائقية جديدة في دور السينما؛ أي ما يقارب مائة وأربعين فيلماً سنوياً، وهو رقم كبير يدل على تغيّر عادات المشاهدة وارتفاع الطلب على هذا الفن».

وأضاف أن المهرجانات السينمائية العالمية باتت تُخصص أقساماً للأفلام الوثائقية، بل إن بعضها يدمجها في المسابقات الرسمية إلى جانب الأفلام الروائية، وهو ما يعكس مكانتها الجديدة في الوعي الثقافي والفني، مشيراً إلى أن مساحة «الوثائقي» اليوم اتسعت لتشمل عدداً لا يحصى من الأساليب وطرائق الكتابة السردية والمعالجات البصرية، مما جعله أرضاً خصبة لا تقل غنى عن حقل السينما الروائية.

اقراء ايضا  تجاوباً مع ما طرحته «عكاظ».. أمانة الطائف تعيد فتح حديقة سنابل الحوية - أخبار السعودية

وعدّ المخرج الفرنسي أن «الجمال في الفيلم لا يرتبط بمدى أهمية الموضوع أو حجمه»، موضحاً أنه «يمكن لموضوع صغير أن يُنتج فيلماً عظيماً، كما يمكن لقضيةٍ كبرى أن تُثمر عملاً باهتاً إن افتقر إلى روحٍ فنية حقيقية»، مشدداً على أن «القيمة الحقيقية للعمل تتجلَّى في النظرة الإنسانية، وفي الطريقة التي يُعبّر بها المخرج عن العالم، لا في ضخامة الحدث أو شهرة الشخصيات».

المخرج الفرنسي نيكولا فيليبير (مهرجان برلين)

وأكد أنه لا ينطلق في مشروعاته من فكرة مسبقة أو بحثٍ متعمّد عن موضوعٍ مهم، بل تولد معظم أفلامه صدفة أو من لقاءٍ عابرٍ بأشخاصٍ يثيرون فضوله، مضيفاً: «لا أبحث عن موضوع لفيلمٍ، بل أدَع الفيلم يجدني. قد ألتقي أشخاصاً أو أسمع عن مكانٍ أو تجربة، فتتحرك داخلي الرغبة في الاكتشاف. أصنع أفلامي لأتعلّم، لا لأعلّم الآخرين».

وأضاف أن ما يدفعه دائماً إلى العمل هو الفضول الإنساني والرغبة في فهم العالم حيث يعيش، مشيراً إلى أنّه يرى في السينما وسيلة للمعرفة قبل أن تكون وسيلة للتعبير.

واستعاد تجربته في فيلم «مدينة اللوفر» الوثائقي الذي عُرض عام 1990 على سبيل المثال، وقال إنه لم يبدأ به مشروع فيلمٍ على الإطلاق، بل كان بمثابة دعوةٍ بسيطة من إدارة المتحف لتوثيق يومٍ واحدٍ من العمل داخل القاعات أثناء تعليق لوحاتٍ ضخمة تعود إلى القرن الـ18.

وأوضح أن «العملية كانت معقدة جداً؛ إذ تطلّبت نقل اللوحات من المخازن إلى قاعات العرض، فطُلب مني أن أسجّل هذه الحركة بالكاميرا فقط لتوثيقها في أرشيف المتحف، ولم يكن الهدف أن يصبح ذلك فيلماً»، مشيراً إلى أنه بعد يومٍ من التصوير شعر بحماسةٍ غير متوقعة، فقرر العودة إلى المتحف في اليوم التالي ومواصلة التصوير دون أي ترخيص رسمي.

اقراء ايضا  إسرائيل قدمت خريطة ثالثة بشأن إعادة انتشار قواتها في غزة

وأكد أنه استمر في التصوير بهذه الطريقة السرّية 3 أسابيع كاملة داخل أكبر متحفٍ في العالم، بمساعدة 3 أشخاص فقط، في فترةٍ كانت إدارة المتحف تُعيد خلالها ترميمه، وتشييد الهرم الزجاجي الشهير، وبناء المكتبات والمطاعم الجديدة؛ أي إن «اللوفر» كان في حالة تحولٍ شاملة؛ ما جعل التجربة شديدة الإثارة بالنسبة له.

وقال إنه بعد تلك الفترة اضطر إلى مصارحة مدير المتحف بالأمر، موضحاً له أنه وفريقه كانوا أشبه بـ«أشخاصٍ بلا أوراق رسمية»، يصوِّرون داخل المكان بلا إذن، لكنه دعا المدير إلى مشاهدة ما صوّروه، وهو ما جعله يمنحه لاحقاً التصريح الرسمي لمواصلة التصوير.

من فيلمه «العودة إلى نورماندي» (موقعه الرسمي)

وتحدث فيليبير عن الصعوبات التمويلية التي تواجه السينمائيين الوثائقيين، فقال إنّ «إيجاد التمويل لمشروعاته لم يعد مستحيلاً كما كان في بداياته، لكنه لا يزال تحدياً دائماً»، مشيراً إلى أنّه من الأسهل عليه اليوم الحصول على الدعم مقارنة بالمخرجين الشباب الذين يواجهون عقبات عدة في الحصول على الإنتاج؛ لأن النظام السينمائي بات أكثر تعقيداً والمنافسة أشدّ.

وأكد أن صناعة «الوثائقي» تحتاج إلى صبرٍ طويل وتمويلٍ مرن؛ لأن هذا النوع من الأفلام لا يُقاس بزمن التصوير أو العائد المادي، بل بصدق التجربة وعمقها، لافتاً إلى أنّه لا يحب الإنتاج السريع ولا يؤمن بالعمل المتعجل، وأنّ بعض أفلامه امتد تصويرها لأشهر طويلة بسبب رغبته في التقاط أدق التفاصيل، بل إنّ «جائحة كورونا» أطالت فترة التصوير لأحد مشروعاته إلى نحو 7 أشهر.

وعن عمله في لجان التحكيم بالمهرجانات الدولية، قال فيليبير إنّ «الحُكم على الأفلام عملية دقيقة تتطلب النظر إلى عناصر متوازية عدّة، أبرزها الشكل والأسلوب والجرأة والابتكار»، مشيراً إلى أنّه يُقيّم دائماً الأفلام من زاوية السؤال: «في أي موضعٍ يضعني هذا الفيلم بوصفي مشاهداً؟».

اقراء ايضا  محمد هنيدي يكشف مواطن الإلهام في خفة الظل خلال ملتقى صناع التأثير

وأوضح أنّ بعض الأفلام تتجاهل جمهورها وتنغلق على ذاتها، في حين أن هناك أفلاماً أخرى تأخذ بيد المتفرّج وتبني معه جسراً إنسانياً، ويرى أن الفيلم الجيد هو الذي يحتاج إلى جمهوره ويتفاعل معه.

وأضاف أنّه يفرّق بين الأفلام التي تُخاطب المتلقي وتمنحه موقعاً داخل التجربة، وتلك التي تتعامل معه بازدراء أو لا تعبأ بوجوده، ويقول إن «الفيلم الرديء هو الذي لا يحتاج إلى مشاهد، أما العظيم فهو الذي يسعى إلى لمس جمهوره، ويُقيم حواراً بين شخصياته والمتفرّجين».


نيكولا فيليبير لـ«الشرق الأوسط»: الفضول الإنساني وقود أفلامي المصدر:

زر الذهاب إلى الأعلى
إنضم لقناتنا على تيليجرام