اخر الاخبار

وليم غيفورد بلغريف.. أهم ثاني رحالة غربي زار جزيرة العرب – أخبار السعودية


وليم غيفورد بلغريف.. أهم ثاني رحالة غربي زار جزيرة العرب – أخبار السعودية

يقول الباحث والمؤرخ السعودي الدكتور عبدالله إبراهيم العسكر، في مقال له بجريدة «الرياض» السعودية ما مفاده، إن ما كتبه الرحالة العرب والأجانب عن مكة والمدينة وغيرهما من مدن الحجاز يفوق أضعاف المرات كل ما كتب عن سائر مدن الجزيرة العربية، مؤكداً أن تلك الكتابات أضحت من المصادر المعول عليها عند دراسة تاريخ الحجاز عموماً وتاريخ المدينتين المقدستين خصوصاً، ومضيفاً «استغرقت عمليات السفر والترحال من قبل الأجانب الغربيين في جزيرة العرب قرابة أربعة قرون، بدأت من نهاية القرن الـ15 الميلادي، وانتهت في النصف الأول من القرن العشرين. وتتميز رحلات القرنين الأولين من تلك الفترة بأنها كانت رحلات ذات طابع فردي، ويكتنفها الغموض حيال أهدافها غير المعلنة، وكانت في مجملها ذات أخطار، ولكنها لا تخلو من الفائدة العلمية. أما الرحلات في بقية تلك الفترة فهي رحلات تحمل الطابع الديني/‏‏ التنصيري، أو الطابع العسكري، أو ذات سمة سياسية رسمية، أو جاءت لأغراض علمية واستكشافية. وعلى العموم، فإن الرحالة الغربيين ينظرون إلى الأماكن التي يزورونها من زاويتهم الخاصة، لذا ترد عندهم بعض الملحوظات التي لم يلتفت إليها أضرابهم من الرحالة العرب الذين زاروا الأماكن نفسها».

من الرحالة الغربيين الذين زاروا الحجاز وكتبوا عنها الإيطالي «لودفيكو دي فارثيما»، وهو أولهم ووصف مكة في عام 1503 وتسمى بـ«الحاج يونس»، ثم البريطاني جورج بيتس الذي وصف مكة في عام 1685، وجاء بعده الدانماركي كرستين نيبور الذي وصل إلى جدة نهاية عام 1762، ثم الإسباني «دومينجو باديا لبيش» الذي جاء سنة 1807 منتحلاً شخصية علي باي العباسي، وهو أول من أعطى الغربيين فكرة واضحة ومنظمة عن مكة، وربما هو الأوروبي الوحيد الذي تمكن من دخول جوف الكعبة الشريفة. وكان شاهد عيان على الأحداث التي صاحبت دخول السعوديين إلى مكة زمن الدولة السعودية الأولى.

عدا عمّن ذكرناهم، هناك الإيطالي «جيفاني فيناني»، الذي جنده الفرنسيون ثم انخرط في جيش طوسون باشا في الحجاز في عام 1811، وهناك السويسري لودفيج بوركهارت في عام 1841، وهو من أكثر الرحالة الأوروبيين دقة وإنصافاً، والوحيد الذي قابل محمد علي باشا في مكة. وفي عام 1815، جاء الأسكتلندي «توماس كيث» الذي اتصل بطوسون باشا، فعينه الأخير والياً على المدينة المنورة، ليصبح أول أجنبي غير مسلم يتولى إمرة هذه المدينة المقدسة. بعد ذلك جاء الرحالة الفرنسي «موريس تاميزيه» سنة 1834 كطبيب مرافق للحملة المصرية. وفي عام 1853 وصل إلى الحجاز الملازم في الجيش البريطاني «ريتشارد بيرتون» متنكراً في صورة أحد الحجاج. أما الرحالة الهولندي «كريستيان سنوك هورخرونيه» فقد بزّ كل الآخرين ببقائه في مكة سنة كاملة في عام 1885. ولا ننسى هنا الإشارة إلى الرحالة والأديب والشاعر الفرنسي من أصول سويسرية «شارل ديديه»، الذي زار مدن الحجاز وألّف كتاباً بعنوان «رحلة إلى الحجاز»، ضمّنه وصفاً دقيقاً لجدة والطائف ومكة، علاوة على حديث مستفيض عن كل المناطق التي زارها وهو في طريقه إلى الحجاز، مع تركيزه على عبقرية الإنسان أكثر من عبقرية المكان والعمران.

اقراء ايضا  «الهلال الأحمر» ينقل أول حالة مرضية عبر الإسعاف الجوي من رفحاء إلى القصيم - أخبار السعودية

على أن حديثنا هنا سوف يكون عن رحالة آخر هو البريطاني «وليم غيفورد بلغريف»، الذي يأتي في المرتبة الثانية بعد شارل ديديه من حيث الأهمية بالنسبة للرحالة الغربيين الذين وصلوا إلى الجزيرة العربية وجالوا فيها، وكان وصوله في سنة 1862. والسبب هو تأليف كتاب من مجلدين تحت عنوان «قصة رحلة عام عبر وسط الجزيرة العربية وشرقها»، الذي يثبت أن صاحبه كان مثقفاً وصاحب دراية واطلاع ومعارف وثقافات سياسية واجتماعية ودينية ودنيوية عديدة. هذا علماً بأن الرجل تعرض بعد وفاته لاتهامات حادة من بعض الرحالة الغربيين (خصوصاً جون فيلبي) الذين زعموا أنه لم يقُم برحلاته إلى وسط وشرق الجزيرة العربية، وأن ما كتبه مجرد تجليات أدبية وخيالات من أديب موهوب. غير أن هذه الحملة دحضها كبار الرحالة الأوروبيين من أمثال تشارلز داوتي والليدي بلنت وعالمة الآثار الفرنسية جاكلين بيرين، وكلهم أشادوا بكتابات الرجل وتحقيقاته وصادقوا على جهوده ورحلاته، وأكدوا أن كتبه إضافة مهمة لأدب الرحلات.

وُلد العالم اللغوي والرحالة والدبلوماسي والمستعرب وليم غيفورد بلغريف William Gifford Palgrave، في وستمنستر بإنجلترا في 24 يناير سنة 1826 ابناً لأبيه المؤرخ البريطاني المعروف السير فرنسيس بلغريف، وأمه إليزابيث تيرنير ابنة المصرفي «داوصن تيرنير». ودرس أولاً في مدرسة تشارتيرهاوس تحت إشراف الدكتور سوندرز، الذي أصبح فيما بعد عميداً لكية بيتربورو الإنجليزية، وكان خلال دراسته في هذه المدرسة طالباً مجداً وموهوباً بدليل حصوله آنذاك على الميدالية الذهبية في الشعر الكلاسيكي. بعدها درس في كلية الثالوث المقدس بجامعة أكسفورد التي منحته شهادة جامعية في الأدب وأخرى في الرياضيات سنة 1846.

بعد تخرجه، دفعه سحر الشرق والشغف بالرحلات، للالتحاق بالجيش البريطاني في الهند عام 1847. وهناك خدم برتبة ملازم في فرقة مشاة بومباي الثامنة، وتحول من البروتستانية إلى الكاثوليكية، ثم استقال من الجيش، وقرر أن يكون كاهناً في خدمة جماعة اليسوعيين في الهند وبورما. انتقل بعد ذلك إلى إيطاليا لدراسة علم اللاهوت في كلية رومانو، ومنها انتقل في عام 1857 إلى لبنان لأغراض تنصيرية، حيث أقام بمدينة زحلة فترة من الزمن توغل خلالها في المجتمع اللبناني، ودرس اللغة العربية بعمق حتى أتقنها. وكان وقتذاك على تواصل مع الشخصيات الغربية المهمة في المنطقة العربية، ومن بينها «فرديننالد دي لسبس» صاحب فكرة حفر قناة السويس. ثم صار مسؤولاً عن المدارس الدينية والبعثات التنصيرية في البلاد العربية ومنطقة الشرق الأوسط. وحين اندلعت حرب 1860 الأهلية في لبنان، التي ارتُكبت فيها مجازر بحق اللبنانيين الموارنة، خاف على نفسه وغادر لبنان إلى بريطانيا، فمارس في الأخيرة مهماته الدينية محاضراً عن زياراته وجولاته في بلاد الشام، وداعياً رؤساءه لدعمه بالمال من أجل القيام برحلة إلى داخل الجزيرة العربية، التي كانت حتى ذلك التاريخ أرضاً مجهولة للكثيرين. ومن بريطانيا سافر إلى فرنسا التي التحق فيها بكلية بمدينة نيس، ونجح في الحصول على دعم الإمبراطور الفرنسي نابليون الثالث، بعد أن أقنعه بأن معرفة أفضل بالجزيرة العربية ستخدم المخططات الإمبريالية الفرنسية في أفريقيا والشرق الأوسط.

اقراء ايضا  لتوعية ضيوف الرحمن.. جهود إرشادية في مسجد التنعيم خلال رمضان

وبحصوله على دعم مادي من الإمبراطور الفرنسي، عاد إلى سوريا ليعد نفسه لرحلته إلى الجزيرة العربية، حيث جهز حقائب بها بعض الأدوية والسلع التجارية الصغيرة واختار خادماً سورياً يدعى بركات ليرافقه، وانتحل هوية طبيب سوري مسلم جوال، يؤدي خدمات طبية واجتماعية كي يغطي بذلك على هويته الحقيقية وأهداف رحلته. وهكذا بدأ مغامرته الجريئة منطلقاً من دمشق إلى معان بالأردن ومنها إلى الجوف فحائل فبريدة فالرياض. ثم قصد الأحساء والقطيف ومنهما انتقل إلى قطر فالبحرين، ثم زار عمان وتجول في مقاطعاتها، وأتبع ذلك بزيارة بعض نواحي الساحل الفارسي للخليج وبعض مدن البر الفارسي، في جولة استغرقت عاماً كاملاً ما بين 1862 و1863، قبل أن يعود إلى أوروبا ليكتب سرداً ممتعاً عن أسفاره التي نشرها عام 1865 في كتب أصبحت من أكثر المؤلفات مبيعاً حينذاك، بدليل إعادة طباعتها عدة مرات، رغم أنه لم يذكر فيها الدواعي الخفية وراء مغامرته.

بعد عودته إلى أوروبا تخلى بلغريف عن مهنته الأصلية ككاهن يسوعي في عام 1865، ويقال، إنه فعل ذلك بعدما أكدت له رحلته في الجزيرة العربية صعوبة العمل التنصيري هناك. خطوته التالية كانت الالتحاق بالخارجية البريطانية التي أوفدته في يوليو 1865 إلى الحبشة في مهمة خاصة للحصول من ملكها ثيودور على قرار بإطلاق سراح القنصل البريطاني كاميرون ورفاقه الذين احتجزهم الملك خوفاً من غزو الإنجليز لبلاده. بعد هذه المهمة تم تعيينه في عام 1866 قنصلاً في سوخومي عاصمة جمهورية أبخازيا، ومنها نقل إلى طرابزون التركية سنة 1867. وفي العام التالي تزوج من مواطنته كاترين سيمبسون، التي أنجبت له ثلاثة أبناء. وفي عام 1873 شغل منصب قنصل لبريطانيا العظمى في سانت توماس وسانت كروا (من جزر العذراء)، ومنهما انتقل في عام 1876 للعمل قنصلاً في مانيلا، وفي عام 1878 صار قنصلاً في إمارة بلغاريا المحررة حديثاً وقتذاك. وفي عام 1879 خدم كقنصل في بانكوك، حيث راح يقضي إجازاته في اليابان من أجل دراسة اليابانية التي تعلمها تحدثاً بسرعة قياسية. وكانت نهاية عمله الدبلوماسي في الأوروغواي التي خدم فيها كوزير مفوض وقنصل عام من عام 1884 وحتى تاريخ وفاته هناك في 30 سبتمبر 1888 جراء التهاب في الشعب الهوائية.

جولته في نجد

خلال جولته في نجد، ارتبط بلغريف بصداقة مع حاكمها آنذاك الإمام فيصل بن تركي آل سعود (1785 ــ 1865)، وحاز على ثقته، لكن وريثه الأمير عبدالله بن فيصل شك فيه واتهمه بالتجسس. وكاد بلغريف يُقتل بسبب معتقداته التي انكشفت لمضيفيه، رغم حرصه على التنكر بالزي العربي والعمامة تارة، وبالطربوش التركي تارة أخرى، واستخدامه اللغة العربية في أحاديثه وتنقلاته. تمكن الرجل من الهرب قبل الفتك به، فكُتبت له حياة جديدة لولاها لما سمعنا أو قرأنا عن مشاهداته وأخبار البلدان التي زارها والحكام والأقوام الذين التقى بهم، ولولاها لما تمكن من نشر مجلد ضخم من المقالات حول «الأسئلة الشرقية»، ولما أصبح مصدر إلهام لجيل من المستكشفين والمنصّرين الأوروبيين.

اقراء ايضا  معلم ميسر لتدريس الصينية ومقررات إلكترونية مطبوعة

عدا ما حدث له في نجد، فوجئ بلغريف وهو في حائل بمن يتعرف عليه ويخبر الناس أنه شوهد في دمشق، لكنه تدارك الموقف بصلابته الطبيعية وقوة ذكائه ومواهبه في التحايل. وبمساعدة شيء من الحظ ضمن سلامته واستمر في مغامرته التي لفّها الغموض لبعض الوقت لجهة أهدافها الحقيقية التي تمثلت في مهمة تنصيرية في أوساط العرب الأصليين من سكان جزيرة العرب، بالإضافة إلى التعرف على مواقفهم من فرنسا التي موّلت رحلته، كما قلنا آنفاً.

شخصية مثقفة واسعة الحيلة

الذين عرفوا أو تعاملوا معه، أجمعوا على أنه كان شخصية مثقفة واسعة الحيلة وتتمتع بالذكاء والحيوية وسرعة البديهة وقوة التأثير والقدرة على الإفلات من المواقف الصعبة والحرجة بسهولة. ومنهم من أضاف، أنه كان شخصية مسالمة تكره الحروب والنزاعات، مدللاً على ذلك بقصته حينما كان في لبنان. حيث لجأ إليه موارنة لبنان وسوريا أثناء حربهم مع الدروز، داعين إياه أن يتزعمهم وينقل إليهم خبرته العسكرية التي اكتسبها سابقاً من عمله مع الجيش البريطاني في الهند، فرفض الدعوة واكتفى لبعض الوقت بتقديم المشورة السياسية كصديق قبل أن يتركهم ويعود إلى بريطانيا.

وإذا ما عدنا إلى الأثر الخالد الذي تركه وراءه والمتمثل في كتابه الرائع «قصة رحلة عام عبر وسط وشرق الجزيرة العربية»، الذي أهداه إلى ذكرى الرحالة الألماني/‏ الدانماركي «كارستن نيبور» باعتباره الرحالة الذكي الشجاع الذي فتح أبواب الجزيرة العربية لأوروبا، نجد أن الكتاب به بعض الأخطاء لجهة كتابة الأسماء الصحيحة للكثير من الأعيان والمناطق والقبائل والمواقع، غير أن ما يغفر له تلك الأخطاء هو ما نقله من مشاهدات وملاحظات ومعلومات مهمة ومفصلة عن الأوضاع السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية في نجد والأحساء والبحرين وقطر وعمان وبلاد فارس، لجهة سكانها وحكامها ومدنها وقراها ومبانيها ومساكنها وطرقاتها وموانئها ومحاصيلها ومواصلاتها وحرف أهلها قبل أكثر من 150 عاماً. هذا علماً بأن الكتاب تمت ترجمته إلى العربية من قبل المصري «صبري محمد حسن»، ضمن المشروع القومي للترجمة الذي يشرف عليه المجلس الأعلى للثقافة بمصر، لكن الترجمة هي الأخرى حفلت بأخطاء تجاوزت أسماء الأعلام إلى النحو والإملاء.

أخبار ذات صلة

 




وليم غيفورد بلغريف.. أهم ثاني رحالة غربي زار جزيرة العرب – أخبار السعودية المصدر:

زر الذهاب إلى الأعلى
إنضم لقناتنا على تيليجرام