اخر الاخبار

«صرتُ أماً في الخمسين»… فِدى أبو عاصي تروي رحلة المائة دمعة وألف ابتسامة

كل ما دار من أحداثٍ في حياة فِدى حيدر أبو عاصي، كان أشبه بتحدياتٍ لا نهاية لها. إلى أن أتى التحدّي الأكبر الذي رسم لها بدايةً جديدة وجعلها تعيش «العمر عمرَين»، وفق تعبيرها.

قبل شهرَين، أطفأت آيلا شمعتها السادسة. وفيما كانت الطفلة تفتح بلهفةٍ هدايا العيد، فكرةٌ واحدة دارت في خاطر الأمّ: «هذه هي هديّتي التي رُزقت بها، في سنٍ يكون قد خمد فيه عادةً حلم الأمومة».

لم تُرِد فدى هذه الهدية لنفسها فحسب، بل للرجل الذي أحبّت و«تحدّى الدنيا» من أجلها. كانت في الـ44 من العمر يوم تزوّجت جو، وهو في الـ36. حصل ذلك الارتباط بعد 5 سنواتٍ من الحب المسيّج بالأشواك، ليس بسبب فارق العمر فحسب. «واجهنا صعوباتٍ كثيرة لأننا من طائفتَين مختلفتَين، كما أنني مطلّقة ولديّ ابن من زواجي الأول. هو كان في الـ14 عندما ارتبطنا جو وأنا»، تقول السيّدة اللبنانية في حوارها مع «الشرق الأوسط».

فدى وجو أبو عاصي يوم زفافهما (صور أبو عاصي)

أردتُ أن أجعل جو أباً

سبحَ الثنائيّ عكس التيارات وصارع الأمواج إلى أن اجتمع تحت سقفٍ واحد. كان لا بدّ من ضوءٍ ساطع لهذا البيت، «وكان عليّ أن أجعل من جو أباً، هو الذي لم يختبر الشعور من قبل».

منذ الشهر الأول بعد الزواج، باشرت فدى بمحاولات الحمل لاجئةً إلى العلاجات الهرمونية والتلقيح الاصطناعي. «لم أرِد أن أضيّع دقيقة من الوقت، بينما ساعتي البيولوجيّة تسابقني». تنقّلت بين أطبّاء كثر وكانت تخضع لتلقيحٍ اصطناعيّ وأحياناً اثنين في السنة الواحدة. وفي كلِ مرةٍ زرعت الأمل في أحشائها وباءت المحاولة بالفشل، كانت تتراكم الخيبات في قلبها وبيتها.

اقراء ايضا  ولي العهد والرئيس الفرنسي يبحثان تطورات الأوضاع الإقليمية والدولية

في الأثناء، تردّدت في أذنَيها عباراتٌ كثيرة مثل «شو عم تعملي يا مجنونة؟»، «صحّتك مش لعبة»، «صرتي كبيرة على الحمل»… وحدَه جو كان السنَد، أما الأمل الثابت فبزغ من عيادة آخر طبيب زارته. «كان الدكتور زياد مسعد صريحاً وصارماً معي عندما قال لي إنها محاولتك الأخيرة»، لأن لا سنّ فدى ولا صحتها كانا يسمحان بمزيدٍ من المخاطرة. وعلى هذا الأساس، أخذت علاجها الهرمونيّ الأخير واختتمت مشوار التلقيح الاصطناعي.

حملٌ مَشوبٌ بالرعب

«صحيح أنني ثابرتُ وصبرت كثيراً، لكن لم أتوقّع أن أصبح أماً وأنا في الخمسين من عمري». غير أنّ هذا ما حصل مع فدى. حملت بآيلا وهي أمٌّ لشابٍ في الـ19 من عمره. اليوم وعندما تعود بالذاكرة إلى السلّم الشاقّ الذي تسلّقته لتجد طفلةً في أعلاه، تعلّق: «أؤمن بأن قبل القدرة الطبية، ثمة قدرة إلهيّة تحدّد لنا التوقيت الأمثَل».

فدى خلال حملها وهي في الـ50 من العمر (صور أبو عاصي)

ليس الحمل في سن الـ50 كما الحمل في الـ30. هذا أول ما اختبرته فدى بعد أن بدأ يتكوّن الجنين في أحشائها. كان عليها الاحتراز كثيراً وإمضاء معظم الوقت مستلقية. أما الأصعب من ذلك فكان الهاجس الذي رافقها طوال الأشهر التسعة. تقول: «انتابني الرعب من أن يكون الجنين مصاباً بتشوّهات أو أمراض بسبب كل ما خضعت له من علاجات، لذا كنت أجري فحوصاً دقيقة بوتيرةٍ أسبوعيّة».

في 28 فبراير (شباط) 2019، اتّخذ الخوف اتّجاهاً آخر فقد دقّت ساعة الولادة. وكما أنّ الحمل في سن الـ50 مهمّة شاقّة، فالإنجاب كذلك. لم تصدّق فدى المشهد عندما حملت آيلا للمرة الأولى بين ذراعيها. «ظننتها لحظةً من الخيال، لكن سرعان ما صفعني الواقع وتساءلت لماذا؟».

آيلا وشقيقها صافي ابن فدى من زواجها الأول (صور أبو عاصي)

آيلا صغّرتني

احتضنت الأمّ الخمسينية ابنتها في ذراع، وفي الذراع الثانية حملت ذنبها. «هل ارتكبتُ فعلاً أنانياً؟ هل ظلمت آيلا بأنني أنجبتها في هذه السنّ المتقدّمة؟ هل سيُكتب لي ما يكفي من العمر حتى أرافقها في زفافها؟».

اقراء ايضا  أوكرانيا توقف عبور الغاز الروسي إلى أوروبا

يقولون: «يأتي الولد ويأتي رزقُه معه». جاءت الطفلة وجلبت الفرح والصِبا معها. بابتسامةٍ عريضة وعينَين بارقتَين تقول فدى: «آيلا صغّرتني، صنعت لي حياةً جديدة. أنا ألعب وأقفز وأضحك معها. منحتني متعة الحياة رغم العمر والتعب».

آيلا في عيدها السادس متوسطةً والدتها فدى ووالدها جو (صور أبو عاصي)

في الـ56، تعيش فدى اليوم الأمومة بدوامٍ كامل. تستفيق باكراً لتحضير آيلا قبل الذهاب إلى المدرسة. تهتمّ بتفاصيلها الصغيرة، تدرّسها، وترافقها إلى أعياد ميلاد صديقاتها. «هل سألتكِ مرةً لماذا تبدو الأمهات الأخريات أصغر منك؟»، تجيب: «لا، لكنها تطالبني بأخت وهذا أكثر ما يحزنني».

نصيحة فدى: لا لليأس

بين القلق على ابنتها وما خلّفت العلاجات من آثارٍ على صحتها الجسدية والنفسية، تقف فدى أمام تحدٍ جديد: «الصمود من أجل آيلا، من أجل ألّا أظلمها أكثر». بواقعيةٍ وحنكة، تعمل على تمتين العلاقة بين الفتاة وأبيها وأخيها الأكبر. تستعدّ للإجابة على أي سؤالٍ محرج قد تطرحه الطفلة: «سأكون صريحة معها وأخبرها قصتنا الجميلة والدها وأنا، وكيف تحدّينا الفوارق كلها لنكون معاً ولننجبها».

أما للسيّدات اللواتي ينتظرن الأمومة منذ وقتٍ طويل ولم يحالفهنّ الحظّ بعد في الحمل، فتقول: «اشغلن أنفسكنّ باهتمامات أخرى ولا تضعن كل التركيز على هذا الموضوع». تتابع مسلّمةً تلك السيّدات المنتظِرات سرّها: «كرّرن المحاولة بإصرار إذا كانت صحّتكنّ تسمح بذلك، ومهما كانت النتيجة لا تدعن اليأس يكون الغالب».

تحرص فدى على تمتين العلاقة بين آيلا ووالدها وشقيقها (صور أبو عاصي)

ماذا يقول طبيب فدى؟

في حديثٍ مع «الشرق الأوسط»، يقول اختصاصي الجراحة النسائية والتوليد والتقنيات المساعِدة للحمل الدكتور زياد مسعد إن فدى ليست أول سيدة تخطّت الـ50 عالجَها؛ «الحالة الاستثنائية كانت لسيّدة تُدعى سوسن، وهي حملت وأنجبت في الـ60 من عمرها».

لكن دون ذلك محاذير يضيء عليها الطبيب: «كل امرأة ترغب في الحمل بعد سن الـ45 يجب أن تخضع لفحوص دقيقة، لنتأكد أنها لا تعاني من الضغط أو السكري أو مشكلات في القلب. وفي حال تبيّن أن هذه الأمور سليمة، نوافق على علاجها. لكن قبل المباشرة، نبلغها بأنّ كل مَن تحمل بعد الـ45 من الممكن أن يكون حملها صعباً ومحفوفاً بالمخاطر».

اقراء ايضا  منح ميدالية الاستحقاق من الدرجة الثالثة لـ 115 مقيمًا لتبرعهم بالدم عشر مرات

الطبيب اللبناني د. زياد مسعد اختصاصي جراحة نسائية وتوليد (فيسبوك)

أما الآثار السلبيّة المحتملة فهي الضغط والسكّري والإصابة بتجلّطات الدم، «لذلك المتابعة الدقيقة إلزاميّة». يضيف مسعد: «من الخطوات الاحترازية أننا نعطي السيدة كميات إضافية من مثبّتات الحمل ومسيّلات الدم. أما إذا لاحظنا أي تعقيدات خلال الحمل مثل عدم نموّ الجنين بشكلٍ كافٍ، فنحاول معالجة الأمر. وأحياناً تلد هذه السيدات بشكلٍ مبكر».


«صرتُ أماً في الخمسين»… فِدى أبو عاصي تروي رحلة المائة دمعة وألف ابتسامة المصدر:

زر الذهاب إلى الأعلى
إنضم لقناتنا على تيليجرام