تباطؤ التنمية البشرية – هل يمكن للذكاء الاصطناعي أن يقدم حلولا، وماذا عن المنطقة العربية؟

وكانت مؤشرات التنمية البشرية – على مدى عقود – قد أظهرت منحنى تصاعديا ثابتا. وتوقع باحثو الأمم المتحدة أنه بحلول عام 2030، سيتمتع سكان العالم بمستوى عالٍ من التنمية. ولكن هذه الآمال تبددت في السنوات الأخيرة، عقب فترة من الأزمات الاستثنائية مثل جائحة كوفيد-19، وتعثر التقدم في جميع مناطق العالم.
يُظهر تقرير التنمية البشرية السنوي الذي يصدره برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، أن أوجه عدم المساواة بين البلدان الغنية والفقيرة قد اتسعت للعام الرابع على التوالي.
وتعمل الضغوط العالمية – مثل تزايد التوترات التجارية وتفاقم أزمة الديون التي تحد من قدرة الحكومات على الاستثمار في الخدمات التي تدعم سكانها، مثل الرعاية الصحية والتعليم – على تضييق المسارات التقليدية للتنمية.
وقال أخيم شتاينر، مدير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي: “يشير هذا التباطؤ إلى تهديد حقيقي للغاية للتقدم العالمي. إذا أصبح التقدم البطيء لعام 2024 هو ‘الوضع الطبيعي الجديد’، فقد يتأخر تحقيق هدف عام 2030 لعقود – مما يجعل عالمنا أقل أمانا وأكثر انقساما وأكثر عرضة للصدمات الاقتصادية والبيئية”.
المنطقة العربية: طموح رقمي وتحديات
ذكر التقرير أن منطقة الدول العربية تظهر طموحا في مجال التنمية الرقمية والذكاء الاصطناعي، وخاصة في منطقة الخليج، إلا أنها تواجه بطئا في تعافي مؤشر التنمية البشرية، وفجوات رقمية مستمرة، وقيودا تتعلق بالنوع الاجتماعي.
وقد تلقت منطقة الشرق الأوسط استثمارات بنحو 6.5 مليار دولار في الذكاء الاصطناعي خلال عام 2024، مما يجعلها ثالث أعلى منطقة من حيث حجم الاستثمار العالمي.
وتُعد المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة من بين الدول القليلة خارج الغرب والصين التي تساهم في نماذج الذكاء الاصطناعي واسعة النطاق.
ورغم هذا التقدم في المنطقة يشير التقرير إلى أن التعافي في مؤشر التنمية البشرية في الدول العربية لا يزال بطيئا، نتيجة تأثيرات الجائحة، والتقلبات الاقتصادية، والاضطرابات الجيوسياسية. وما زالت مستويات التنمية في المنطقة أقل من المسار المتوقع قبل عام 2019.
وسلط التقرير الضوء على اختلافات جوهرية في الوصول الرقمي عبر المنطقة، فبينما تتمتع بعض الدول العربية بانتشار شبه شامل للإنترنت، تواجه دول أخرى فجوات كبيرة في الاتصال، لا سيما في المجتمعات الريفية والمحرومة.
وتُدرج الدول العربية ضمن المناطق التي تواجه خسائر في مواهب الذكاء الاصطناعي بسبب هجرة العمالة الماهرة إلى مراكز التكنولوجيا العالمية. وهذا يُسهم في اختلال التوازن العالمي في خبرات وقدرات الذكاء الاصطناعي بين البلدان ذات الدخل المرتفع والمتوسط والمنخفض.
ويشير التقرير إلى أن النساء في العديد من الدول العربية يواجهن أعرافا اجتماعية وأعباء رعاية تحد من قدرتهن على تطوير مهارات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات والمشاركة في الفرص المتعلقة بالذكاء الاصطناعي.

ربما لا تأخذ الروبوتات وظائفنا!؟
على الرغم من المؤشرات القاتمة، أبدى التقرير تفاؤلا لافتا بشأن إمكانات الذكاء الاصطناعي، مشيرا إلى السرعة الهائلة التي تم بها تبني الأدوات المجانية أو منخفضة التكلفة من قبل الشركات والأفراد على حد سواء.
أجرى باحثو برنامج الأمم المتحدة الإنمائي مسحا لتقييم الآراء حول الذكاء الاصطناعي واكتشفوا أن حوالي 60 بالمائة من المستجيبين يتوقعون أن تؤثر التكنولوجيا بشكل إيجابي على عملهم وتخلق فرصا جديدة.
وتوقع 70 بالمائة ممن يعيشون في مستويات تنمية منخفضة ومتوسطة أن يزيد الذكاء الاصطناعي من إنتاجيتهم، ويتوقع ثلثا هذه الفئة استخدام الذكاء الاصطناعي في التعليم أو الصحة أو العمل خلال العام المقبل.
ووضع مؤلفو التقرير توصيات لاتخاذ إجراءات لضمان أن يكون الذكاء الاصطناعي مفيدا قدر الإمكان للتنمية البشرية، بما في ذلك تحديث أنظمة التعليم والصحة لتلبية احتياجات اليوم بشكل كافٍ، وبناء اقتصاد يركز على التعاون البشري مع الذكاء الاصطناعي (بدلا من المنافسة)، ووضع البشر في صميم كل جانب من جوانب تطوير الذكاء الاصطناعي، من التصميم إلى النشر.
وقال بيدرو كونسيساو، مدير مكتب برنامج الأمم المتحدة الإنمائي المعني بتقرير التنمية البشرية “إن الخيارات التي نتخذها في السنوات المقبلة ستحدد إرث هذا التحول التكنولوجي للتنمية البشرية. من خلال السياسات الصحيحة والتركيز على الناس، يمكن أن يكون الذكاء الاصطناعي جسرا مهما للمعرفة والمهارات والأفكار الجديدة التي يمكن أن تمكن الجميع من المزارعين إلى أصحاب الأعمال الصغيرة”.

كيف يمكننا تجنب خيبة التنمية؟
رسالة التقرير تتمثل في أن تأثير الذكاء الاصطناعي بعيد كل البعد عن كونه حتميا: فبدلا من كونه قوة مستقلة، فهو انعكاس ومضخم للقيم وعدم المساواة في المجتمعات التي تشكله.
لتجنب ما يسميه “خيبة أمل التنمية”، يحث برنامج الأمم المتحدة الإنمائي على تعزيز التعاون العالمي بشأن إدارة الذكاء الاصطناعي، والمواءمة بين الابتكار الخاص والأهداف العامة، وتجديد الالتزام بالكرامة الإنسانية والإنصاف والاستدامة.
وقال السيد شتاينر في مقدمة التقرير: “إن تقرير التنمية البشرية لعام 2025 ليس تقريرا عن التكنولوجيا. إنه تقرير عن الناس – وقدرتنا على إعادة ابتكار أنفسنا في مواجهة التغيير العميق”.
تفاوتات إقليمية
يسلط التقرير الضوء على مسارات متباينة عبر المناطق:
-
تواجه أفريقيا، وخاصة أفريقيا جنوب الصحراء، تحديات هيكلية كبيرة في التنمية. يوفر الذكاء الاصطناعي إمكانية تحسين التعليم والصحة والزراعة، لكن الفجوات الكبيرة في البنية التحتية – في الكهرباء والإنترنت وقوة الحوسبة – تشكل حواجز كبيرة أمام الوصول والاستخدام العادلين.
-
تعتبر شرق آسيا قوة عالمية في مجال الذكاء الاصطناعي، حيث تلعب الصين دورا مركزيا في أبحاث الذكاء الاصطناعي والروبوتات والنظم الإيكولوجية للبيانات. ومع ذلك، يشير التقرير أيضا إلى نقص الاستثمار في سلامة الذكاء الاصطناعي، ويشير إلى الانقسامات الهيكلية في الاحتفاظ بالمواهب والاستعداد التنظيمي في جميع أنحاء المنطقة.
-
تشهد أوروبا وآسيا الوسطى استقطابا سياسيا متزايدا وشيخوخة ديموغرافية، حيث يُنظر إلى الذكاء الاصطناعي غالبا على أنه قوة مدمرة وليست مكملة في سوق العمل.
-
تواجه أمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي عدم المساواة وبطء المكاسب التعليمية والتفاوتات الرقمية.
تباطؤ التنمية البشرية – هل يمكن للذكاء الاصطناعي أن يقدم حلولا، وماذا عن المنطقة العربية؟ المصدر: