طوابير الجوع في غزة: معركة يومية من أجل رشفة من العدس

مراسلنا في غزة زار أحد المطابخ المجتمعية في غرب غزة ووثّق بعدسته مشاهد مؤلمة لمعاناة النازحين وصرخات استغاثتهم ومناشداتهم العاجلة للعالم، طالبين إنهاء مأساتهم والتخفيف عنهم.
“أين العالم؟ نحن نموت هنا من الجوع”
ينهمك عمال المطبخ المجتمعي في إعداد حساء العدس بينما تتكدس الأوعية البلاستيكية والأطباق الفارغة، خلف سياج حديدي، بانتظار كمية قليلة من هذا الحساء الذي قد لا يتمكن الكثيرون من الحصول على رشفة منه.
بعد كفاحٍ مرير، تمكن زياد الغريز – وهو نازح مسن من غزة – من الحصول على كوب من حساء العدس. جلس على الأرض، وبدأ يأخذ منه رشفاتٍ بطيئة. يقول لمراسلنا إنه لم يتذوق الخبر منذ عشرة أيام متواصلة؛ ويتابع: “أتناول شوربة العدس التي يوزعها المطبخ المجتمعي. لا أستطيع شراء الدقيق على الإطلاق؛ ليس لدي مال لشرائه، لذلك أحاول الحصول على أي شيء يوزعه المطبخ. أهل غزة جائعون”.

بعد كفاحٍ مرير، تمكن زياد الغريز، وهو نازح من غزة، من الحصول على كوب من حساء العدس.
الشاب محمد نايفة، يقول إنه أمضى أربع ساعات في الانتظار للحصول على وجبة لعائلته: “أنا أقف هنا منذ أربع ساعات ولا أستطيع الحصول على طعام وسط الزحام والشمس. نحن نموت؛ نحتاج إلى الدعم، نحتاج إلى طعام وشراب. أين العالم؟ نحن نموت هنا من الجوع. كل يوم نأكل العدس فقط؛ لا يوجد دقيق، لا طعام، لا شراب. نحن نموت جوعا”.
“إما أن نحترق بالشمس أو نُداس بالأقدام”
أما أم محمد، النازحة من حي الشجاعية، فتصف لنا الوضع بالقول: “لا يوجد ماء، لا طعام، لا خبز، مرارة الوضع تجبرنا على المجيء إلى هنا. في النهاية، نعود بلا شيء؛ إما أن نعود محترقين تحت الشمس أو نُداس بالأقدام بسبب الاكتظاظ، ونعود خاليي الوفاض. ولا حياة لمن تنادي”.

حسام القماري – الذي نزح أيضا من الشجاعية – يقول إن الوضع لم يعد مقبولا: “نحن نموت، وأطفالنا يموتون جوعا. كفى ما يحدث لأهل غزة؛ الكثير مما يحدث غير مقبول. رجل متقدم في العمر مثلي يقف هنا منذ الصباح يحمل وعاء لأبنائه حتى يتناولوا الإفطار، ولم يأكلوا بعد”.
من الفصول الدراسية إلى صفوف العدس
وفقا لأحدث النتائج التي توصلت إليها وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل لاجئي فلسطين (الأونروا)، يعاني طفل من كل خمسة أطفال في مدينة غزة من سوء التغذية، مع تزايد الحالات يوما بعد يوم.
وتختزل صورة هذه الفتاة الصغيرة التي تقف خلف سياج حديدي، حاملة وعاءها الفارغ بانتظار قليل من حساء العدس، هذه المأساة المروّعة التي يدفع الأطفال ثمنها الأكبر.

بسام أبو عودة، النازح من بيت حانون، وجه مناشدة قال فيها: “ندعو جميع أحرار العالم ومحبي السلام لمساعدتنا في توفير الطعام والماء حتى تنتهي هذه المجاعة التي فرضها علينا الاحتلال. ما يسمح به الاحتلال من دخول الشاحنات لا يساوي قطرة في محيط الاحتياجات.”
من بيوتٍ كريمة إلى طوابير بلا كرامة: “ليس لنا سوى الله”
أم رامي، نازحة من حي الزيتون، تقول إن مقومات الحياة منعدمة في غزة، داعية العالم إلى أن ينظر إلى أهل القطاع بعين الرحمة: “جئت إلى هنا لأحصل على كمية صغيرة من الطعام لأطعم أطفالي. هذا ما أصبحنا عليه؛ نأتي إلى المطابخ المجتمعية للحصول على الطعام بعد أن كنا مكرمين معززين في بيوتنا. لقد وصلنا إلى نقطة نقف فيها في طوابير للحصول على الطعام والماء. كما ترون، حياة الأطفال الآن تدور حول طوابير الماء والطعام. الطعام لا يكفي. ليس لنا سوى الله. يجب على العالم أن ينظر إلينا، ويجب على الجميع أن يوقظوا ضمائرهم”.

حقيقة لا يمكن إنكارها
وفق تحذير صادر من التصنيف المتكامل لمراحل الأمن الغذائي، تواجه غزة خطر المجاعة الشديد إذ وصلت مؤشرات استهلاك الغذاء والتغذية إلى أسوأ معدلاتها منذ بداية الصراع الحالي.
يسلط التنبيه الضوء على تجاوز اثنين من العتبات الثلاث للمجاعة في أجزاء من قطاع غزة، مع تحذير برنامج الأغذية العالمي ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف) من نفاد الوقت لإطلاق استجابة إنسانية شاملة.
وقال الأمين العام للأمم المتحدة إن التنبيه يؤكد “ما نخشاه: غزة على حافة المجاعة”. وقال إن الحقائق لا يمكن إنكارها وإن الفلسطينيين في غزة يعانون من كارثة إنسانية ذات أبعاد ملحمية. وأضاف: “هذا ليس تحذيرا، ولكنه واقع يتكشف أمام أعيننا”.
وأكد ضرورة أن يتحول “تقطير المساعدات” إلى “محيط”، وأن يتدفق الغذاء والماء والدواء والوقود “في موجات وبدون عوائق. يجب أن ينتهي هذا الكابوس”.

من الوفيات بحثا عن الطعام
مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) قال إنه بعد أيام من بدء التوقفات التكتيكية التي أعلنتها السلطات الإسرائيلية في غزة، “ما زلنا نشهد سقوط ضحايا بين الباحثين عن المساعدة ومزيدا من الوفيات بسبب الجوع وسوء التغذية”.
وقال المكتب الأممي إن الآباء والأمهات يواصلون الكفاح لإنقاذ أطفالهم الجوعى. ويواصل اليائسون والجوعى تفريغ كميات صغيرة من المساعدات من الشاحنات التي تتمكن من الخروج من المعابر.
ورغم أن الأمم المتحدة وشركاءها يستغلون أي فرصة لدعم المحتاجين خلال التوقفات التكتيكية الأحادية، إلا أن ظروف إيصال المساعدات والإمدادات بعيدة كل البعد عن أن تكون كافية، وفقا لمكتب أوتشا.
طوابير الجوع في غزة: معركة يومية من أجل رشفة من العدس المصدر: