تمكين المرأة البحرينية: كيف تصنع رائدات الأعمال النجاح من قلب منازلهن؟

إيمان فريد – وهي أم وموظفة حكومية متقاعدة – كانت منهمكة في صناعة الكعك عندما زارها فريق أخبار الأمم المتحدة في منزلها الواقع في ضاحية المحرّق في المنامة.
تشرح لنا قصتها بالقول: “لطالما أحببت تناول الحلويات. في البداية، كنت أخبز البسكويت لعائلتي فقط. أحبوا مذاقه، وسرعان ما بدأ أصدقائي يشجعونني على بيعه. حينها أدركت أن بإمكاني تحويل هذا الشغف إلى شيء أكبر”.
إيمان هي واحدة من المستفيدات من التدريب الذي تقدمه منظمة “كاف الإنسانية” وهي منظمة غير ربحية أُطلقت في البحرين عام 2021. تهدف المنظمة إلى “تمكين الأفراد والمجتمعات من الاعتماد على الذات، والمساهمة في بناء مجتمع إنساني، متكامل، وموجه نحو التنمية”.

كاف الإنسانية، وهي منظمة غير ربحية في البحرين، تعمل على تمكين المرأة من خلال التدريب على ريادة الأعمال وتوفر لها الفرص لتسويق وبيع منتجاتها، بما في ذلك التوابل.
كاف والأسر المنتجة
كانت منظمة كاف من بين الجهات المشاركة في الدورة الخامسة للمنتدى العالمي لرواد الأعمال والاستثمار 2024، الذي عُقد في المنامة، بالبحرين، تحت إشراف مكتب ترويج الاستثمار والتكنولوجيا التابع لمنظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية (اليونيدو) في البحرين. وكانت منتجات إيمان من التوابل والكعك ضمن المعروضات في المعرض العربي للأسر المنتجة، الذي أقيم ضمن فعاليات المنتدى العالمي.
سعود المحمود، مسؤول العلاقات العامة في منظمة كاف يصف الأسر المنتجة بأنها “أسر تعتمد على مهارات أفرادها لتوفير احتياجات الأسرة وتحسين مستويات معيشتها”. ويشدد على أهمية دعم هذه الأسر، قائلا: “مساعدة الأسر المنتجة مهمة جدا لأنها لا تقتصر على مساعدة الأفراد فقط، بل تمتد لتشمل مساعدة الأسرة بأكملها”.
وفقا للسيد المحمود، تقدم كاف التدريب والأدوات التي تحتاجها الأسر لتحسين منتجاتها كي تصبح قادرة على المنافسة في السوق. ويضيف: “عملنا يتماشى مع العديد من أهـداف التنمية المستدامة، بما فيها تلك المتعلقة بالمياه والغذاء والمأوى، بالإضافة إلى تحسين الاقتصاد. نحن نشجع دائما على التعاون مع الأمم المتحدة والمنظمات الأخرى”.
وتابع السيد المحمود قائلا: “نؤمن بأهمية الشراكات المفتوحة والأدوار المتكاملة بين مختلف المنظمات العاملة في المجالين الإنساني والتنموي”.
قصة نورة: شغف بالتوابل
نورة خالد مسيفر، مستفيدة أخرى من برامج منظمة كاف. زارها فريق أخبار الأمم المتحدة في منزلها في ضاحية المحرق. تقول إنها استلهمت شغفها من حب والدتها للطهي وتحميص القهوة. وبعد زواجها، بدأت في مزج التوابل البحرينية. ومع مرور الوقت، وسّعت عملها ليشمل درجات مختلفة من التوابل، وفلفل الدقوس، وتحميص القهوة، وكلها مصنوعة “بمكونات عالية الجودة”، وعلامتها التجارية هي “مال لوول”.

بناء قدرات المرأة
في يوم شديد الحرارة، اجتمعت مجموعة من رائدات الأعمال في جلسة تدريبية بمقر منظمة كاف في ضاحية المحرق في العاصمة البحرينية المنامة. أحضرن منتجاتهن الجاهزة لمشاركتها مع الأخريات، مما يظهر مهاراتهن في صنع المنتجات المختلفة.
قادت الجلسة بدور بوحجي، وهي محاضرة جامعية في البحرين، وقالت لأخبار الأمم المتحدة: “لدينا 15 مشاركة هنا. إنهن ربات منازل. بعضهن كن يعملن في السابق، لكنهن الآن يعملن من المنزل. ويدرن مشاريع ريادية صغيرة – أغذية، حلويات، توابل، شوكولاتة، أقلام، ومنتجات حرفية يمكنهن بيعها في مجتمعاتهن. ويأملن في التوسع إلى ما هو أبعد من مجتمعهن والانطلاق إلى العالمية”.
دور كاف في نجاح إيمان ونورة
كان الدعم الذي قدمته منظمة كاف عاملا أساسيا في رحلة إيمان ونورة الناجحة، حيث قدمت لهن الدعم المالي ومواد التغليف والمساعدة في بناء العلامة التجارية. قالت نورة إنها المعيلة لأسرتها بعد وفاة زوجها، وهي مستمرة قي صنع التوابل منذ 20 عاما وانضمت إلى منظمة كاف قبل 10 سنوات.
وقالت: “الدعم المالي الذي قدمته لي المنظمة مكنني من شراء توابل عالية الجودة”.
وعندما سألنا نورة عن مصدر المواد الخام التي تستخدمها في صناعتها، أوضحت لنا أنها تشتريها من السوق: “المواد التي نستخدمها تأتي من شركات بحرينية تستوردها من الخارج. معظم التوابل تأتي من الهند، وهي غالية الثمن جدا”.
تقوم نورة بتجهيز التوابل – الغسيل، والتجفيف، والتحميص، والتعبئة – في المنزل. وعلى الرغم من أنها بدأت ببيع منتجاتها تحت علامتها التجارية من المنزل، إلا أن المشاركة في المعارض وفترة الحجر الصحي خلال جائحة كـوفيد-19 ساعدت مشروعها على الازدهار، حسبما قالت.

نورا خالد مسيفير تقوم بتحميص بعض التوابل قبل خلطها وتعبئتها في زجاجات خاصة جاهزة للبيع.
التواصل الاجتماعي وسيلة للتسويق
تشير إيمان إلى أن كاف كانت ركيزة نجاحها في مجال صناعة المخبوزات. بدأت عملها بعد التقاعد عام 2014، لكنها في البداية افتقرت إلى التوجيه حول كيفية توسيعه. وتشرح لنا بالقول: “عندما انضممت إلى كاف، قاموا بتدريبي على إدارة الأعمال، والمهارات الاجتماعية، والتسويق الرقمي”.
تتابع إيمان وهي تغالب دموعها: “لم يأخذوا مني المال؛ بل على العكس، قدموا لي الدعم المالي والمعنوي”.
من خلال كاف، تعلمت كيفية تسويق منتجاتها على منصتي انستغرام وواتساب، الأمر الذي ساعدها كثيرا في الوصول إلى المستهلكين: “علموني كيف ألتقط صورا احترافية لمنتجاتي وكيف أعظم المبيعات عبر الإنترنت. التكنولوجيا ضرورية في عالم اليوم، وقد ساعدوني على التكيف”.
التحديات والآمال المستقبلية
بصفتها رائدة أعمال في بيئة تجارية يهيمن عليها الرجال تقليديا، ترى نورة نجاحها دليلا على قوة المرأة البحرينية. وهي توازن بين مسؤوليات العمل والأسرة، وهو ما يتطلب، كما تقول، الاجتهاد والمثابرة. وتقول: “أحلم بفتح متجر يحمل اسمي، حيث يمكنني الاستمرار في صنع التوابل والمأكولات التقليدية المصنوعة يدويا”.
تشرح لنا إيمان العوائق التي واجهتها في بداية مشوارها: “في عائلتي، لم يتم تشجيع النساء على العمل جنبا إلى جنب مع الرجال أو إدارة الأعمال. ولكن مع مرور الوقت، رأى والدي قوتي ودعمني. الآن، أشعر بالثقة والتمكين”.
تتطلع إيمان إلى المستقبل، وتحلم بتوسيع أعمالها إلى مصنع: “أريد أن أبني شيئا كبيرا، وأن يكون لدي فريقي الخاص، وأن أترك إرثا لأبنائي. في يوم من الأيام، سأروي لهم قصة كيف أصبحت امرأة قوية ومستقلة”.
أهمية الشراكات في تمكين المجتمعات
ترى منظمة كاف أن لقاءاتها وتعاونها مع منظمات مثل “اليونيدو” ساهم في دعم الأهداف والمشاريع التي تخدم المجتمعات المحلية، ضمن إطار من التنسيق والتكامل، لا التبعية. يقول المحمود: “هذا ما نعتبره الجوهر الحقيقي للعمل الإنساني”، مضيفا: “نحن حريصون على تعزيز التعاون مع كل من يشاركنا رؤيتنا وقيمنا، لتعزيز الأثر الإيجابي وخدمة الكرامة الإنسانية في كل مكان”.
الجدير بالذكر أن المنتدى العالمي لرواد الأعمال والاستثمار 2024 كان قد أقر “إعلان المنامة“، الذي يدعو المجتمع الدولي إلى تسخير قوة ريادة الأعمال والابتكار لتحقيق أهداف التنمية المستدامة، مع التركيز القوي على إدماج الأسر المنتجة.
تمكين المرأة البحرينية: كيف تصنع رائدات الأعمال النجاح من قلب منازلهن؟ المصدر: