دارفور تواجه الكوليرا بلا مقومات حياة

المخيمات المزدحمة
ومنذ يونيو الماضي، أصاب وباء الكوليرا نحو 12.200 شخص في دارفور، أودى بحياة ما يزيد على 500 شخص حتى منتصف سبتمبر.
والمخيمات المكتظة بالنازحين، الذين يعيشون على الأرض بلا رعاية طبية كافية، تحولت إلى بؤر لنشر المرض. والأرقام المعلنة لا تعكس الصورة الكاملة، إذ إن ضعف النظام الصحي وغياب التوثيق يحجب حجم الكارثة الحقيقي. وفق المنسقية العامة للنازحين، ارتفعت الإصابات بوتيرة متسارعة، مع تسجيل أكثر من 1.600 حالة جديدة في أسبوع واحد فقط، بجانب انتشار الملاريا وسوء التغذية بين الأطفال.

سيارات إسعاف
وغياب البدائل بات شعار المرحلة. متطوعون محليون ينقلون المصابين على ظهور الحمير أو بأيديهم إلى مراكز عزل بدائية. هذه المراكز، غالبًا مدارس قديمة بجدران متشققة وأسقف متهالكة، مهددة بالانهيار، لكنها الخيار الوحيد. أما الأدوية والمحاليل الوريدية الضرورية لإنقاذ المصابين، فهي نادرة وباهظة الثمن في الأسواق، ما يؤدي إلى وفاة العشرات يوميًا.
تحت الحصار
وفي مدينة الفاشر، آخر معاقل الجيش في دارفور، فرضت قوات الدعم السريع حصارًا خانقًا منذ أكثر من 500 يوم.
وهذا الحصار حرم مئات الآلاف من الغذاء والدواء، وأدى إلى إعلان المجاعة في مخيم زمزم في أغسطس 2024. والهجمات المتبادلة بين الطرفين جعلت المدنيين عرضة للقصف العشوائي والمدفعي، فيما لم تنجُ مخيمات النازحين من الموت جوعًا أو مرضًا. ومع تضاعف عدد السكان بسبب موجات النزوح، تحولت المخيمات إلى بيئة خصبة لتفشي الأوبئة، وعلى رأسها الكوليرا.

النزوح المستمر
والآلاف فروا من الفاشر إلى منطقة طويلة، التي أصبحت مأوى جديدًا للنازحين منذ سيطرة فصيل حركة تحرير السودان بقيادة عبدالواحد النور عليها. هنا، تكتظ عيادات منظمة أطباء بلا حدود بمصابين بالكوليرا وجرحى الحرب. وبعض الناجين ساروا أكثر من 60 كيلومترًا سيرًا على الأقدام، ينزفون من جراحهم، تاركين خلفهم قتلى وجوعى لم يستطيعوا إكمال الرحلة. عدد النازحين في طويلة قفز من 230 ألفًا إلى أكثر من 800 ألف منذ اندلاع القتال، ما جعل الظروف الصحية والبيئية في غاية السوء.
أزمة تتجاوز الحدود
والأزمة لم تتوقف عند حدود السودان. الوباء انتقل إلى تشاد حيث يعيش أكثر من مليون لاجئ سوداني، وسُجلت هناك أكثر من 1.400 إصابة و100 وفاة خلال أسابيع قليلة. ومنظمة الصحة العالمية حذرت من أن الخطر لا يهدد دول الجوار فقط بل القارة الإفريقية بأكملها، في ظل انهيار المنظومات الصحية وصعوبة احتواء التفشي.

التدخل الدولي
بينما يحذر خبراء الصحة من اتساع رقعة انتشار الكوليرا إلى مستويات كارثية، يعيش سكان دارفور واقعًا لا يحتمل التأجيل. الحمير تحل مكان سيارات الإسعاف، والهياكل المتهالكة تقوم مقام المستشفيات، والوباء ينهش أجساد النازحين المنهكين من الحرب والجوع. وسط هذا كله، يظل غياب التدخل الدولي الفاعل علامة فارقة على حجم التهميش الذي يعيشه الإقليم منذ عقود.
صور قاسية
وفي إقليم دارفور، تتجسد المعاناة في صور قاسية من الفقر والحرب والمرض، حيث يواجه السكان أوضاعًا إنسانية بالغة الصعوبة نتيجة النزاع المستمر وانهيار الخدمات الأساسية. فقد دمّرت الحرب البنية التحتية، وتركت آلاف الأسر بلا مأوى أو غذاء كافٍ، فيما تفتك الأوبئة مثل الكوليرا بالمجتمعات المحلية التي تفتقر إلى الرعاية الطبية. يعيش الناس بين أطلال القرى المهدمة، محاطين بالخوف من العنف والجوع، بينما تغيب الحلول العاجلة والبدائل الممكنة، ليظل دارفور عنوانًا للألم الإنساني المزمن.
فالحرب في السودان تركت آثارًا كارثية على حياة المدنيين والبنية التحتية للبلاد، حيث اندلعت صراعات مسلحة في مناطق متعددة، متسببة في نزوح ملايين الأشخاص وفقدانهم لمنازلهم ومصادر رزقهم. ويشهد السكان استمرار العنف والاشتباكات، ما يؤدي إلى انعدام الأمن الغذائي وانتشار الأمراض، ويجعل الوصول إلى الخدمات الأساسية شبه مستحيل. تضاف إلى ذلك المعاناة النفسية للسكان الذين يعيشون في حالة رعب دائم، بينما تظل الجهود الإنسانية عاجزة عن تلبية الاحتياجات الأساسية وسط الفوضى المستمرة، مما يحول الحرب في السودان إلى أزمة إنسانية مركبة ومعقدة.

تفشي الكوليرا في دارفور أصاب أكثر من 12 ألف شخص وقتل أكثر من 500 خلال ثلاثة أشهر.
انهيار البنية التحتية جعل الحمير والوسائل البدائية بدائل عن سيارات الإسعاف والمستشفيات.
الحصار على الفاشر والمجاعة المتفاقمة ضاعفت الأزمة الإنسانية.
تفشي الوباء تجاوز حدود السودان إلى تشاد، وسط تحذيرات من انتشاره على نطاق إفريقي أوسع.
دارفور تواجه الكوليرا بلا مقومات حياة المصدر: