اخر الاخبار

رئيسة مؤسسة المفقودين في سوريا: البحث عن الحقيقة “مسعى جماعي” تقوده العائلات

 رئيسة المؤسسة المستقلة المعنية بالمفقودين في سوريا كارلا كوينتانا، تتحدث في حوار مع أخبار الأمم المتحدة.

وقالت المسؤولة الأممية إن المؤسسة التي ترأسها أنشئت بفضل إصرار العائلات السورية على معرفة حقيقة ما جرى لأحبائهم وتحقيق العدالة لهم، بل وأيضا أملهم في العثور عليهم. وأعربت عن إعجابها بقوة المرأة السورية في هذا المجال. 

في البداية حدثتنا السيد كوينتانا عن تقرير الأمين العام الصادر مؤخرا، والذي يستعرض التقدم المحرز في عمل المؤسسة وتعاونها مع السلطات والعائلات ومنظمات المجتمع المدني.

كارلا كوينتانا: أولا، أود التذكير بأن المؤسسة المستقلة المعنية بالمفقودين مؤسسة حديثة العهد، أُنشئت منذ عامين بفضل كفاح عائلات المفقودين في سوريا، وتفويضنا واسع للغاية. نحن مكلفون بالبحث عن جميع المفقودين في سوريا وأثناء فرارهم منها، بغض النظر عن جنسيتهم أو عرقهم أو دينهم، أو حتى وقت اختفائهم. كما أننا فوضنا بدعم العائلات والناجين.

تقرير الأمين العام الذي صدر الشهر الماضي يشرح العمل الذي قامت به المؤسسة مع العائلات، والسلطات السورية، ومنظمات المجتمع المدني، وغيرهم.

لقد فتحنا عدة مسارات تحقيق للبحث عن الأشخاص الذين اختفوا قسرا على يد النظام السابق، ونبحث أيضا عن الأطفال المفقودين الذين فقدوا أيضا في عهد النظام السابق، كما ننظر في حالات الاختفاء التي ارتكبها داعش، وحالات المهاجرين المفقودين. وبالطبع، ندرس حالات الاختفاء التي وقعت بعد 8 كانون الأول/ديسمبر.

وجود مسارات تحقيق محددة لا يعني أننا لا ننظر في أنواع أخرى من حالات الاختفاء. فتحنا هذه المسارات الأولى للتحقيق لأن لدينا معلومات قيّمة للغاية، وقد تواصلنا مع العديد من الناجين أو العائلات التي قدمت الكثير من المعلومات في هذا الصدد.

رئيسة المؤسسة المستقلة للمفقودين في سوريا تقدم مقترحاً للتعاون مع السلطات السورية.

أخبار الأمم المتحدة: من الواضح أن الدول الأعضاء تولي أهمية خاصة لهذه القضية، حيث إن تفويض المؤسسة يأتي من الجمعية العامة نفسها. كيف تُرجم هذا على أرض الواقع، وما الذي يمكن فعله لدعم مهمتكم بشكل أكبر؟

كارلا كوينتانا: كما ذكرت، أُنشئت هذه المؤسسة بقرار من الجمعية العامة، وتقرير الأمين العام واضح جدا في دعوة الدول الأعضاء لمواصلة دعم مهمتنا.

هذه مؤسسة فريدة من نوعها أنشأتها العائلات، لكن البحث عن المفقودين مسعى جماعي. لا أحد يستطيع القيام بذلك بمفرده. نحن نتحدث عن مئات الآلاف من الأشخاص المفقودين في سوريا.

عندما قمنا بزيارة سوريا، رأينا أن كل شخص لديه شخص مفقود أو يعرف شخصا فُقد. هذا قاسم مشترك بين جميع السوريين، ليس فقط الإرادة والأمل في إعادة بناء بلدهم، بل أيضا الأمل في العثور على أحبائهم.

اقراء ايضا  تعيين دبلوماسي وأكاديمي بريطاني وكيلا للأمين العام للشؤون الإنسانية

نحن موجودون لدعم ذلك، وقد أوضحنا تماما أن هذه العملية يجب أن تكون بقيادة سورية ودعم دولي. لدينا الخبرة والمهارات والموارد، ونحن على استعداد لمشاركتها ومساعدة جميع السوريين.

أخبار الأمم المتحدة: تحدثت عن الخبرة، وأنت تتمتعين بخبرة واسعة في هذا المجال تحديدا. كيف ساعدتك خبرتك في بلدك، المكسيك، في تنفيذ ولايتك في هذه المهمة؟

كارلا كوينتانا: أعتقد أن الاستفادة من تجارب دول أخرى، ليس فقط في المكسيك، بل أيضا في كولومبيا والأرجنتين وغواتيمالا وغيرها، أتاحت لي فرصة معرفة ليس فقط المنهجيات التي أثبتت فعاليتها في دول أخرى، بل أيضا التجارب السيئة التي لم تُجدِ نفعا.

عندما نبحث عن المفقودين، يكون الوقت عاملا حاسما، وليس لدينا وقت للتجربة. ولكن أعتقد أنه من الضروري أن أوضح تماما أن التجربة المكسيكية أو تجربة أمريكا اللاتينية أو تجربة البلقان ليست التجربة السورية. لهذا السبب، نحن جادون للغاية عندما نقول إن هذا يجب أن يكون بقيادة سورية، في السياق السوري، مع خبرة دولية.

لدينا منهجيات علمية ومعرفة بجمع البيانات ومشاركتها يجب تطبيقها. وهذا يقودني إلى مسألة أخرى واردة في تقرير الأمين العام، وهي مشاركة البيانات وحمايتها. من أكبر التحديات التي نواجهها عند البحث عن المفقودين هي المعلومات. نحتاج إلى معلومات، وللحصول عليها، نحتاج إلى ثقة العائلات، ونحتاج إلى الوصول إلى الوثائق الرسمية.

ليس من الضروري الحصول على المعلومات فحسب، بل يجب أيضا حث الجميع على مشاركتها. وهذه ليست مهمة سهلة. لذا، كان أحد الأسباب الرئيسية لإنشاء هذه المؤسسة هو أن العائلات أدركت منذ سنوات عديدة ضرورة العمل معا. وكما ذكرتُ سابقا، هذا مسعى جماعي، وعلينا جميعا أن نجتمع ونكشف عن أوراقنا ونشاركها. علينا أن نربط النقاط ببعضها للعثور على المفقودين. وكلما زادت المعلومات التي نمتلكها، زادت إمكانية العثور عليهم.

أخبار الأمم المتحدة: من المؤكد أن العديد من الأشخاص اختفوا في سجون النظام السابق، ولكن هناك جماعات مسلحة وجهات فاعلة غير حكومية مسؤولة أيضا عن اختفاء كثيرين آخرين خلال الحرب. ما مدى تقبل السلطات المؤقتة لمعالجة هذه الملفات، وهل أحرزتم أي تقدم في معرفة مصير هؤلاء الأشخاص؟

كارلا كوينتانا: مهمتنا هي البحث عن الجميع، بغض النظر عن انتمائهم أو جنسيتهم أو توقيت اختفائهم. وهذا يشمل بالطبع المفقودين على يد جهات فاعلة مختلفة، وجماعات مسلحة مختلفة، بما في ذلك داعش وغيرها الكثير.

لقد تواصلنا مع السلطات ومهمتنا واضحة بالنسبة لنا ولهم. هناك لجنة وطنية معنية بالمفقودين، وهي ذات مهمة مماثلة لنا، وواسعة النطاق. تلقينا معلومات موثوقة عن أشخاص مفقودين قبل 8 كانون الأول/ديسمبر وبعده، من اللاذقية وطرطوس والسويداء، وتواصلنا مع عائلات ومنظمات المجتمع المدني. وناقشنا هذا الأمر مباشرة مع السلطات السورية، ومع الهيئة الوطنية للمفقودين، وعرضنا دعمنا في البحث عنهم.

أخبار الأمم المتحدة: ذكرت سابقا أن مهمتكم هي البحث عن الجميع، وبالطبع تأثر لبنان بشدة بحالات الاختفاء خلال الوجود السوري. هل يمكنكم مشاركة أي مستجدات حول هذا الملف تحديدا؟

كارلا كوينتانا: نعم، هناك العديد من المواطنين اللبنانيين الذين فُقدوا في سوريا خلال العقود الماضية، بالإضافة إلى العديد من السوريين الذين فُقدوا أثناء فرارهم من سوريا عبر لبنان. لقد تواصلنا مع السلطات اللبنانية ووزارة العدل واللجنة الوطنية اللبنانية للبحث عن المفقودين، ونحن نعمل معا على هذا الملف.

أخبار الأمم المتحدة: فيما تم إخلاء سجون سيئة السمعة مثل صيدنايا أو المزة وغيرهما منذ عدة أشهر، ما هي فرص العثور على ناجين؟ وهل تعتقدون أن هذا جزء مهم من مهمتكم؟

كارلا كوينتانا: المبدأ الأول للبحث هو أن نفترض أن المفقودين أحياء، إلا إذا كانت لدينا معلومات تُشير إلى العكس. بالطبع، كانت هناك آمال كبيرة في العثور على العديد من الأشخاص أحياء بعد سقوط النظام، ونعلم عن حالات عديدة لأشخاص عادوا أحياء، وما زلنا نبحث عن العديد على أنهم أحياء.

كما ذكرت، نعمل في ملف الأطفال المفقودين، ولدينا معلومات موثوقة، ومسارات تحقيقنا تُشير إلى أن هناك أطفالا، الذين ربما أصبحوا الآن شبابا، على قيد الحياة.

كما نعمل على ملف الأشخاص الذين ربما لقوا حتفهم. ولهذا السبب لدينا أيضا وحدة طب شرعي، ونحن على استعداد لمشاركة خبرتنا في البحث عن المفقودين الذين قد لا يكونون على قيد الحياة في سياق مئات الآلاف من الأشخاص المفقودين.

رسالة على جدران سجن صيدنايا في سوريا.

رسالة على جدران سجن صيدنايا في سوريا.

أخبار الأمم المتحدة: ذكرت أن هذه المؤسسة أُسست من قبل العائلات. فكيف تتواصلون الآن مع هذه العائلات، وما هي ردود الفعل التي تتلقونها منها؟

كارلا كوينتانا: أشكرك على هذا السؤال، لأنه يتيح لي فرصة العودة إلى تقرير الأمين العام، حيث يوضح ما كنا نفعله مع العائلات، ومع منظمات المجتمع المدني، ليس فقط منذ إنشاء هذه المؤسسة، بل حتى قبل ذلك. لقد كانوا أساسيين وحيويين لإنشاء المؤسسة وللضغط على الدول الأعضاء لإيجادها.

نحن نعمل معهم بشكل يومي، حيث نتواصل مع العائلات، والناجين، ومنظمات المجتمع المدني، في سوريا وخارجها. لدينا قنوات اتصال محددة، حيث نعقد اجتماعات دورية لإطلاعهم على ما نقوم به، وما نفكر في القيام به، وما هي إجراءات البحث.

لدينا أيضا مجلسنا الاستشاري الذي عقدنا معه أول اجتماع الأسبوع الماضي. إنه مكون من 11 عضوا، من عائلات المفقودين، وخبراء، وأفراد من منظمات المجتمع المدني.

اقراء ايضا  ما هي ترجمة كلمة Adore؟

عندما نقول إننا أُنشئنا على أيديهم، وإن هذه مؤسسة تُركز على الأسرة أو الضحايا، فهذا لا يقتصر على المبدأ فحسب، بل هو ما نقوم به عمليا كل يوم من خلال البحث، والطب الشرعي، وسياساتنا العامة. أعتقد أن هذا ما يجعل هذه المؤسسة فريدة من نوعها للأمم المتحدة وللعالم. ويشرفنا جدا أن نقول إننا مؤسسة تعمل من أجل السوريين، وأنشأها السوريون. ونحن على استعداد لمواصلة ذلك.

أخبار الأمم المتحدة: لقد التقيت بالطبع بالعديد من هذه العائلات. هل هناك قصة مُحددة يُمكنك مشاركتها معنا عن عائلة أثرت فيك؟

كارلا كوينتانا: هذا سؤال صعب للغاية بعد العمل في هذا المجال لأكثر من عشرين عاما. ما يُثير إعجابي دائما هو قوة النساء. والنساء السوريات يبهرن الجميع بمثابرتهن في البحث عن أحبائهن داخل سوريا وخارجها، وبقوتهن في مواجهة اختفاء أحبائهن. يواجهن السلطات، والمجتمع الدولي، والفقر، ثم انعدام الفرص.

وأود الإشارة إلى اجتماع عقدناه في أول زيارة لنا إلى سوريا في شباط/فبراير الماضي مع نساء في داريا. لم يسبق لهن أن التقين بأي منظمة دولية، ولا منظمة وطنية، ولم يكنّ على علم بوجود مجموعات أخرى من النساء يبحثن عن أحبائهن. وما شاركنه معنا من قصص، أظهر لنا كيف أن الأمل لا يموت.

فريق المؤسسة المستقلة على الأرض في سوريا خلال البعثات الأخيرة.

فريق المؤسسة المستقلة على الأرض في سوريا خلال البعثات الأخيرة.

أتذكر حديث امرأة فُقد زوجها عندما كانت طفلتها تبلغ من العمر شهرين أو ثلاثة أشهر. كانت الابنة معها عندما كانت تروي لنا القصة ـ وبدأت تتحدث بالإنجليزية وتشرح كيف تمكنت من الدراسة أثناء البحث عن زوجها والآن أصبحت مُعلمة.

كان الفخر واضحا على وجه الفتاة – أعتقد أنها كانت المرة الأولى التي أدركت فيها ما مرت به والدتها. أود أن ألتقط هذا الوجه عندما نفكر في البحث عن المفقودين. إنها مهمة معقدة وصعبة للغاية، ولكن رؤية تلك الفتاة – البالغة من العمر 13 أو 14 عاما – تنظر إلى والدتها وتعرف ما مرت به وما فعلته للبحث عن زوجها ومنحها الأمل وفرصة جديدة، أعتقد أن هذا هو جوهر الحديث عن المفقودين.

أخبار الأمم المتحدة: إذا كانت لديك رسالة لهؤلاء النساء وتلك الفتاة اليوم، فماذا ستكون؟

كارلا كوينتانا: أعتقد أن الرسالة هي أننا هنا من أجلهن. هن ليس من يرافقنا في البحث عن المفقودين، بل نحن نرافقهن بالمعرفة التي نملكها. علينا أن نقدم لهن معرفتنا ومهاراتنا لمساعدتهن في إيجاد الإجابات والكشف عن الحقيقة.


رئيسة مؤسسة المفقودين في سوريا: البحث عن الحقيقة “مسعى جماعي” تقوده العائلات المصدر:

زر الذهاب إلى الأعلى
إنضم لقناتنا على تيليجرام