كيف تهدد أزمة التمويل جهود السلام العالمية؟

ويعد هذا نتيجة مباشرة لعدم سداد بعض الدول الأعضاء “مساهماتها المقررة”، وهو المبلغ الذي يتوجب عليها المساهمة به في ميزانية الأمم المتحدة العادية وميزانية حفظ السلام في إطار عضويتها في المنظمة.
وقد أدى ذلك إلى خلق فجوة كبيرة بين المبلغ المعتمد لبعثات حفظ السلام والمبلغ المتاح للسنة الحالية، مما زاد من العجز الموجود بالفعل في السنوات السابقة.
العجز تجاوز ملياري دولار
في بداية دورة الميزانية الحالية، في تموز/يوليو 2025، بلغ هذا العجز ملياري دولار، أي أكثر من 35% من ميزانية حفظ السلام البالغة 5.6 مليار دولار.
ويقوّض تأخر أو عدم سداد المساهمات المقررة من قبل الولايات المتحدة ودول أعضاء أخرى بشكل مباشر قدرة جهود حفظ السلام على تحقيق أهداف السلم والأمن التي حددها مجلس الأمن.
وقد أجبر الوضع قوات حفظ السلام الأممية على اتخاذ قرارات صعبة لخفض النفقات بشكل كبير، مما له عواقب حتمية على السكان الذين يخدمهم ويحميهم حفظة السلام.
سيتعين على بعثات حفظ السلام خفض نفقاتها بما يعادل 15% من ميزانيتها السنوية الحالية. ولضرورة حدوث ذلك خلال 9 لأشهر فقط وبسبب التكاليف المرتبطة بإعادة حفظة السلام ومعداتها – إلى مناطقهم الأصلية – سيتعين تقليص 25% من الأفراد الشرطيين والعسكريين وعدد كبير من الموظفين المدنيين، بما سيؤثر على جميع مجالات العمل.

من الأرشيف: أعضاء مجلس الأمن يصوتون على مشروع القرار.
ماذا يعني هذا للسلام؟
على الرغم من أن قوات حفظ السلام ستواصل بذل كل ما في وسعها لحماية المدنيين، وتسهيل المساعدات الإنسانية، ودعم عمليات السلام، إلا أن البعثات ستضطر إلى تأجيل أو إلغاء بعض أعمالها.
خفض عدد العناصر والموظفين سيعني الكثير من الأمور منها:
⬅️ تقليص عدد الأشخاص الذين يساعدون في مراقبة وقف إطلاق النار ومنع تصاعد التوترات في أماكن مثل لبنان والصحراء الغربية والجولان.
⬅️ انخفاض عدد العاملين على وقف الصراعات العنيفة في دول مثل جمهورية الكونغو الديمقراطية وجنوب السودان وجمهورية أفريقيا الوسطى، وتقليل عدد الدوريات، وتقلص الأماكن الآمنة، وتراجع القدرة على الاستجابة للتهديدات وحماية المدنيين.
⬅️تقلص وجود الأمم المتحدة يخاطر بخلق فجوات وفراغ في المناطق الهشة، وتشجيع الأطراف المسلحة، وتقويض التقدم الذي تحقق بشق الأنفس.
⬅️ انخفاض عدد المكاتب الميدانية وقلة القدرة على التنقل يعنيان أن البعثات ستواجه صعوبة في تسهيل إيصال المساعدات الإنسانية.
⬅️ خفض عدد العناصر يعرّض قوات حفظ السلام المتبقية لمخاطر أكبر، حيث إن الوحدات الأصغر حجما والأقل موارد تكون أكثر عرضة للتهديدات دون الدعم اللوجستي والعملياتي اللازم.

حافظات سلام أمميات يتفاعلن مع امرأة وطفلها في جمهورية أفريقيا الوسطى.
الفرق بين الحياة والموت
إنهاء الحرب مهمة بالغة الصعوبة، وغالبا ما يكون ضمان استدامة السلام الذي تحقق بشق الأنفس أصعب. ولهذا السبب، تُعد عمليات حفظ السلام بالغة الأهمية. فهي تحتوي الصراعات، وتساعد على صمود وقف إطلاق النار، وتحمي المدنيين، وتساعد في التفاوض على السلام. وفي كثير من الأحيان، قد يكون وجودها هو الفرق بين الحياة والموت.
في كلمته مؤخرا أمام الدول المساهمة بقوات وأفراد شرطة، أكد الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش أن المنظمة ستواصل دعوة الدول الأعضاء لسداد مساهماتها، وبالتزامن مع ذلك “سيواصل حفظة السلام الأمميون عملهم الدؤوب للمساعدة في ضمان احترام وقف إطلاق النار، وحماية المدنيين العالقين في خط النار، وتهيئة الظروف لتدفق المساعدات المنقذة للحياة إلى المحتاجين، وإرساء أسس التعافي طويل الأمد”.
في نفس الوقت، لا تزال عمليات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة ملتزمة بتحسين أدائها وفعالية تكلفتها بشكل مستمر كلما أمكن ذلك.
لكن الواقع واضح: فبدون تمويل كاف ويمكن التنبؤ به وفي الوقت المناسب، لا يمكن لجهود حفظ السلام أن تفي بالمهام الموكلة إليها من مجلس الأمن. وتدعو الأمم المتحدة جميع الدول الأعضاء إلى سداد مساهماتها المتفق عليها بالكامل وفي الوقت المحدد.
كيف تمول بعثات حفظ السلام؟
كل دولة عضو ملزمة قانونا بدفع حصتها في حفظ السلام، بناء على صيغة تضعها الدول الأعضاء نفسها، تراعي عوامل مثل الثراء النسبي للدولة العضو. وتتم الموافقة على ميزانيات البعثات سنويا من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة.
تنفق هذه المساهمات على تنفيذ أنشطة مثل حماية المدنيين ودعم مفاوضات السلام، ولدفع تكاليف المعدات ونشر قوات حفظ السلام.
ولا يعني التأخير في سداد الاشتراكات المقررة عجز البعثات عن أداء مهامها المهمة فحسب، بل يعني أيضا تأخر سداد المستحقات للدول الأعضاء التي ساهمت بقوات حفظ السلام والمعدات التي تستخدمها الأمم المتحدة على الخطوط الأمامية.
كيف تهدد أزمة التمويل جهود السلام العالمية؟ المصدر: