اخر الاخبار

مبادرة الأمم المتحدة 80: ماهيتها وأهميتها للعالم

في هذا المقال، سنتعمق في هذه المبادرة لاستكشاف جوانبها وأهدافها، ونسبر أغوار أهميتها للمجتمعات، وما هي معايير نجاحها في تحقيق رؤيتها.

في حوار خاص مع أخبار الأمم المتحدة قال غاي رايدر، وكيل الأمين العام المعني بالسياسات ورئيس فريق عمل الأمم المتحدة 80 إن الوقت مناسب “لإلقاء نظرة على أنفسنا ومعرفة مدى ملاءمتنا للغرض المراد تحقيقه في ظل ظروف تشكل تحديات كبيرة للتعددية وللأمم المتحدة”.

لا تسعى المبادرة الأممية فقط إلى تحسين الكفاءة، بل أيضا إلى إعادة تأكيد قيمة التعددية في وقت تتراجع فيه الثقة وتزداد فيه الاحتياجات. وتهدف إلى تعزيز قدرة الأمم المتحدة على الاستجابة للتحديات العالمية الراهنة – بدءا من الصراعات والنزوح وعدم المساواة وصولا إلى الصدمات المناخية والتغير التكنولوجي السريع – فيما تستجيب للضغوط الخارجية مثل تقلص الميزانيات وتزايد الانقسامات السياسية.

وقال السيد رايدر إن هذه العملية ستنتج “أمما متحدة أقوى وأكثر كفاءة، ومستعدة لمواجهة التحديات التي سيحملها لنا المستقبل بلا شك”.

المقر الدائم للأمم المتحدة في نيويورك.

المقر الدائم للأمم المتحدة في نيويورك.

ثلاثة مسارات للإصلاح

تسلك مبادرة الأمم المتحدة 80 ثلاثة مسارات عمل رئيسية. يركز المسار الأول على تحسين الكفاءة والفعالية الداخلية، وتقليص البيروقراطية، وتحسين بصمة الأمم المتحدة العالمية من خلال نقل بعض الوظائف إلى مراكز عمل أقل تكلفة.

وأشار السيد رايدر إلى أنه يتم استهداف الإجراءات الإدارية المرهقة والازدواجية، حيث قال: “نريد أن نرى ما يمكننا القيام به بشكل أفضل. نريد أن ننظر إلى المجالات التي نعتقد أنه يمكننا فيها تحسين الكفاءة والتخلص من العمليات البيروقراطية غير الضرورية”.

مسار العمل الثاني هو مراجعة تنفيذ التفويضات، والتي تتضمن دراسة ما يقرب من 4,000 وثيقة هي في صميم عمل الأمانة العامة للأمم المتحدة. يشير التفويض إلى مهمة أو مسؤولية تُسندها الدول الأعضاء إلى المنظمة، عادة من خلال قرارات تتخذها أجهزة الأمم المتحدة مثل الجمعية العامة أو مجلس الأمن.

تُرشد هذه التفويضات ما تقوم به الأمم المتحدة – من عمليات حفظ السلام والعمل الإنساني إلى حقوق الإنسان والعمل البيئي. على مر العقود، تراكم ما لا يقل عن 40 ألف تفويض، وأحيانا ما تداخلت أو أصبحت قديمة، ولهذا السبب تُعد مراجعتها جزءا أساسيا من مبادرة الأمم المتحدة 80. وقال السيد رايدر: “دعونا نلقي نظرة عليها. دعونا نرى أين يمكن أن تكون هناك ازدواجية في العمل، وأين يمكننا تحديد الأولويات”.

اقراء ايضا  1800 مركبة لأجرة مكة نهاية 2025

لكن مراجعة هذا الكم الهائل من التفويضات ليس بالأمر الجديد. فقد خاضت المنظمة هذه التجربة في عام 2006 ولكن لم تُفلح تماما، بحسب السيد رايدر. وقال: “هذه المرة، لدينا البيانات والقدرات التحليلية. نحن نطبق تقنيات الذكاء الاصطناعي لتزويد الدول الأعضاء بمعلومات أكثر تنظيما وأفضل بكثير – وهي حجة أكثر إقناعا برأيي يمكن أن تؤدي إلى عملية مثمرة”.

إلا أن المسؤول الأممي أوضح أن مسؤولية تحديد ما يجب الاحتفاظ به أو مراجعته أو إيقافه تقع بالكامل على عاتق الدول الأعضاء، وأضاف: “هذه التفويضات ملك للدول الأعضاء. هي التي وضعتها، وهي وحدها من يمكنها تقييمها. يمكننا النظر في الأدلة، ويمكننا عرضها على الدول الأعضاء، ولكن في النهاية هي التي تتخذ القرارات بشأن التفويضات وبشأن الكثير غير ذلك مما يتعلق بمبادرة الأمم المتحدة 80”.

يستكشف المسار الثالث ما إذا كانت هناك حاجة إلى تغييرات هيكلية وإعادة تنظيم البرامج على مستوى منظومة الأمم المتحدة. وقال المسؤول الأممي: “في نهاية المطاف، قد نرغب في النظر في هيكلية منظومة الأمم المتحدة، التي أصبحت معقدة للغاية. ومن المرجح أيضا أن تنبثق مقترحات من مراجعة تنفيذ التفويضات”.

السيد غاي رايدر، رئيس فريق عمل الأمم المتحدة 80.

السيد غاي رايدر، رئيس فريق عمل الأمم المتحدة 80.

منظور شامل للمنظومة

لمعالجة الإصلاح في نظام معقد كهذا، أنشأ الأمين العام سبع مجموعات مواضيعية تابعة لفريق عمل الأمم المتحدة 80 – ينسّق كلٌ منها كبار القادة الأمميين من مختلف أنحاء المنظومة – وتتضمن السلام والأمن، والعمل الإنساني، والتنمية (الأمانة العامة ومنظومة الأمم المتحدة)، وحقوق الإنسان، والتدريب والبحث، والوكالات المتخصصة.

وعن هذا، قال رئيس فريق عمل الأمم المتحدة 80: “من المهم القول إنه في الوقت الذي تتعرض فيه المنظومة للضغط، فإنها تستجيب كمنظومة واحدة. هذا العمل ليس في نيويورك فقط، وليس الأمانة العامة فقط، بل يشمل المنظومة بأكملها”.

من المتوقع أن تُقدّم كل مجموعة مقترحات لتحسين التنسيق، والحد من التجزئة، وإعادة تنظيم الوظائف عند الحاجة. وقد قدّمت عدة مجموعات بالفعل أفكارا أولية، وستتبعها مجموعة أوسع من المقترحات في تموز/يوليو.

مبادرة إصلاح، لا تقليص

ركز الاهتمام بمبادرة الأمم المتحدة 80 بشكل كبير على مقترحات تخفيض الميزانية وتقليص عدد الموظفين، مما أثار مخاوف من أنها في الأساس عملية لتوفير التكاليف. لكن السيد رايدر أكد أن هذه النظرة تغفل الصورة الأكبر. وقال: “نعم، نواجه تحديات مالية. لا داعي لتجاهلها. لكن هذه ليست عملية لخفض التكاليف أو تقليص حجم المنظمة. نريد أن نجعل الأمم المتحدة أقوى”.

ومع ذلك، لا يمكن إنكار الضغوط المالية على مستوى المنظومة. من المتوقع أن تتضمن ميزانية البرنامج المنقحة لعام 2026، المقرر إصدارها في أيلول/سبتمبر، تخفيضات كبيرة في التمويل والوظائف لكيانات الأمانة العامة – نتيجة لقيود التدفق النقدي المستمرة المرتبطة بتأخر وعدم اكتمال مساهمات الدول الأعضاء.

“تهدف مبادرة الأمم المتحدة 80 إلى تحسين أثر وفعالية التعددية والأمم المتحدة”، كما أوضح السيد رايدر. “هذا لا يعني – ونتمنى لو لم يكن الأمر كذلك – أننا لسنا مضطرين لإعادة النظر في ميزانيتنا ومواردنا في مختلف أجزاء المنظومة. لقد واجهت المنظمات قرارات صعبة، وهذا يحدث كل يوم. هذه هي حقيقة ظروفنا”.

وأكد أن تحقيق الاستدامة المالية ومراعاة تأثير مهام المنظمة لا يتعارضان، بل يجب السعي لتحقيقهما بالتوازي. وقال: “علينا التوفيق بين هدفي تحقيق الاستدامة المالية في ظل الظروف الصعبة التي نمر بها، ولكن علينا أيضا أن ننتبه، كما هو الحال دائما، إلى الأثر الذي نحدثه في الوفاء بمسؤولياتنا بموجب الميثاق”.

أطفال في هايتي يتناولون وجبة طعام مقدمة كجزء من برنامج التغذية المدرسية التابع لبرنامج الأغذية العالمي.

أطفال في هايتي يتناولون وجبة طعام مقدمة كجزء من برنامج التغذية المدرسية التابع لبرنامج الأغذية العالمي.

ما أهمية المبادة للناس في كل مكان؟

بدلا من مجرد إصلاح بيروقراطي، تعنى مبادرة الأمم المتحدة 80 في نهاية المطاف بالناس، الذين يعتمدون على دعم المنظمة خلال الأزمات أو النزاعات أو تحديات التنمية.

وقال السيد رايدر: “إذا استطاعت الأمم المتحدة تغيير نفسها، وإجراء تحسينات، أحيانا من خلال قرارات صعبة، فإن ذلك قد يعني أن تلك التدخلات المنقذة للحياة ستصل إلى الأشخاص الذين نخدمهم بفعالية أكبر”.

وتظل الأمم المتحدة ملتقى أساسيا فريدا من نوعه لتعزيز السلام والتنمية المستدامة وحقوق الإنسان للجميع. وقال السيد رايدر إن هذه المبادرة تؤكد أن الأمم المتحدة “تأخذ مسؤولياتها تجاه الأشخاص الذين نخدمهم على محمل الجد”.

في الوقت الحالي، تساعد الأمم المتحدة أكثر من 130 مليون نازح، وتوفر الغذاء لأكثر من 120 مليون شخص، وتوفر اللقاحات لما يقرب من نصف أطفال العالم، وتدعم حفظ السلام وحقوق الإنسان والانتخابات والعمل المناخي في جميع أنحاء العالم. كما ساهم عمل الأمم المتحدة الإنمائي في بناء مجتمعات سلمية ومستقرة.

ما الخطوات التالية؟

سيقدم فريق عمل الأمم المتحدة 80 مقترحاته إلى الأمين العام، الذي أشار بالفعل إلى المجالات الأولى التي يُتوقع تحقيق نتائج فيها. ومن المتوقع أن يقدم فريق عمل معني بالكفاءة في الأمانة العامة للأمم المتحدة، بقيادة وكيلة الأمين العام كاثرين بولارد، مقترحاته الأولية بحلول نهاية حزيران/يونيو. وسيتبع ذلك تقرير عن مراجعة تنفيذ الولايات في نهاية تموز/يوليو.

سيساعد هذا العمل في إطار مساري العمل الأولين على إثراء التفكير الأوسع حول التغييرات الهيكلية وإعادة تنظيم البرامج على مستوى منظومة الأمم المتحدة. وسيتم تقديم مقترحات في إطار مسار العمل الثالث إلى الدول الأعضاء في الأشهر المقبلة وحتى العام المقبل.

على الرغم من أن العمل لا يزال في بدايته، إلا أن السيد رايدر يعتقد أن الأمم المتحدة تمتلك الأدوات المناسبة، ولديها حسٌّ واضحٌ بالطموح والإلحاح. وقال: “إننا نحرز تقدما جيدا. هناك الكثير من العمل الذي ينجز الآن. ومع مرور الأسابيع، سينتقل هذا الأمر أكثر فأكثر إلى نطاق الدول الأعضاء، وعندها سنرى النتائج”.

وفي النهاية، أكد أنه سيتعين على الدول الأعضاء تحديد كيفية التصرف بناء على النتائج، وأضاف: “سيتعين عليهم تحديد ما يريدون فعله. هل يرغبون في إنشاء عملية حكومية دولية؟ لقد ذكر الأمين العام هذا كاحتمال بالفعل”.

الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش يطلع وسائل الإعلام على مبادرة الأمم المتحدة 80.

الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش يطلع وسائل الإعلام على مبادرة الأمم المتحدة 80.

معاير النجاح

ردا على سؤال حول معاير النجاح، قال السيد رايدر: “منظومة أمم متحدة قادرة على تقديم أداء أكثر فعالية، وتعزيز وترسيخ الثقة في العمل متعدد الأطراف. منظومة قادرة على إيصال رسالة إلى الرأي العام وصانعي القرار السياسي مفادها أن هذه المنظمة تستحق الاستثمار فيها، وأنها الخيار الأمثل لمواجهة تحديات المستقبل”.

ورأى رئيس فريق عمل الأمم المتحدة 80 أن الأمر يتعلق بالمصداقية والقدرة وثقة الجمهور، وضمان أن تظل الأمم المتحدة ليس فقط مهمة، بل جوهرية. وأضاف: “يجب أن نهتم جميعا بهذا الأمر. إذا اعتبرنا أن التعددية هي أفضل أداة لدينا لمواجهة التحديات العالمية، فعلينا أن نحرص على تجديد هذه الآلية وتحديثها وجعلها فعالة وملائمة للغرض قدر الإمكان”.


مبادرة الأمم المتحدة 80: ماهيتها وأهميتها للعالم المصدر:

زر الذهاب إلى الأعلى
إنضم لقناتنا على تيليجرام